فماطل في أخذ كتابه حتّى بلغ عريش و كانت
هي بلدة من مصر في ساحل بحر الرّوم و نهاية أرض الشّام، فطلب عقبة و أخذ منه كتاب
عمر و قرأه على النّاس و قال: هذا العريش الّذي نحن فيه من أىّ البلاد؟ قالوا: من
بلاد مصر، فقال:
لا ينبغي لنا
أن نرجع لأنّ الخليفة شرط لرجوعنا عدم دخول مصر، فرحل في تخوم مصر حتّى بلغ جيل
[الحلال].
و وصل الخبر
إلى مقوقس ملك مصر، فأرسل قائدا له يسمّى مذقور الأعيرج بجيش لدفع المسلمين و
تلاقى الفريقان في أرض فرما، و اشتدّ الحرب بينهما و قتل من الفريقين جمع كثير
فهزم جمع الرّوم و تقدّم عمرو بن العاص إلى قواصر و رحل إلى أمّ دنين و نزل فيها
بقرب القاهرة، و هي بلدة في جنب فسطاط بينهما سور، و هي كانت دار الملك لمصر كما
أنّها عاصمة مصر في هذا العصر، ثمّ رجع أعيرج إلى الحرب مع عمرو بن عاص فتلاقيا في
أمّ دنين و قتل خلق كثير من الجانبين و دامت الحرب مدّة شهر كامل و لم يتيسّر فتح
مصر، و كتب عمرو بن عاص إلى عمر و استمدّ منه، فأرسل عمر أربعة من أبطال المسلمين
و هم زبير بن العوام و المقداد ابن الأسود و عبادة بن صامت و مسلمة بن المخلّد في
اثنى عشر ألفا لمددهم فأسرعوا في السير و لحقوا بعمرو بن العاص فقوى جيش الإسلام و
وهن أمر أعيرج و تحصّن في قصر له و حوله خندق يتخلّله معابر إلى القصر ملاها
بقطعات حادّة من الحديد لا يقدر العبور عليها الراكب و الرّاجل، و جهد المسلمون في
فتح الحصن، و بلغ الخبر إلى مقوقس، فزحف بجيوش لحرب المسلمين و دام الحرب سبعة
أشهر.
فقال الزبير:
اضحّى بنفسي في سبيل اللّه عسى أن يفتح هذا الحصن للمسلمين فصنع عدّة مراقي و
نصبها على الحصن فقال: إذا سمعتم تكبيري من فوق السّور فارفعوا أصواتكم جميعا معي
بالتّكبير، فصعد الحصن بجمع من رجاله و هبط و فتح الباب فعرض مقوقس على المسلمين
الصلح لما رأى من جهودهم في فتح الحصن و شرط لهم دينارين من الذّهب كلّ سنة عن كلّ
شخص في مصر، فطلبوا هذا الجزية من الرّوم الساكنين في أرض مصر و عرض على هرقل فلم
يرض بذلك، و أمر مقوقس بالحرب