فيها آثار المدنيّة إلى ما يزيد عن عشرات
من القرون، و برع فيها جمع من الفلاسفة الأول قد استمدّ يونان في عصره الذهبي من
تعليمات شائعة فيها، ثمّ عقّب ذلك بحكومة البطالسة فيها فأسّسوا فيها دور الحكمة و
ألّفوا كتبا قيّمة بقي منها نحو مجسطي، فكانت مصر متهيّئة لبيان دقائق النظم
الاجتماعيّة و القضائيّة و العسكرية أكثر من سائر البلاد.
و هذا هو
السبب في تطويل هذا العهد و تعرّضه لكافّة شئون الحياة المادّيّة و المعنويّة،
فانّ الاسلام حاو لكلّ ما يحتاج إليه بنو الانسان من النظم و القوانين لتربية
الروح و المادّة، و هذا أحد معاني الشريعة الكاملة الناسخة لما قبلها من الشرائع و
الباقية إلى آخر الدّهر.
و لكنّ العرب
في الحجاز و سائر أقطار الجزيرة كانوا في سذاجة من العيش و بساطة من الفهم لا
يستطيعون تحمّل دقائق القوانين و تفاصيل النظم ممّا يتعلّق بشتّى أنواع المعاش من
الزراعة و التجارة و القضاوة و غير ذلك، لعدم الانس بها في حياتهم و عدم ممارسة
شئونها.
فدعاهم
الاسلام في بادىء الأمر على أبسط تعاليمها في العقيدة و الأخلاق، و أزكى شئون
الانسانيّة من الاعتقاد بالصانع و عبادته و ملازمة الامور الخيريّة من البرّ
بالوالدين و صلة الأرحام و ترك الفحشاء و الكذب و غير ذلك، و لمّا نشر الاسلام إلى
بلاد فارس وجد قوما عريقا في المدنيّة و أليفا بالنظم الاجتماعيّة ففسح أمامه
مجالا لبسط تعاليمه الجذريّة.
كما أنّه إذا
نشر الاسلام في مصر وجد أمامه قوم من الأقباط و بقايا الفلاسفة و البطالسة ما رسوا
الحياة المدنيّة أكثر و أدقّ و لمّا وقعت في حوزة حكومة عليّ 7 قام فيها
بتعاليم هامّة و عامّة منها صدور هذا العهد، و إن كان عليّ 7 يتفرّس
بعدم توفيق مالك نفسه لإجرائه.
و قد نفصّله
على خمسة عشر فصلا يمتاز بعضها عن بعض بما تضمّنها من الشئون المختلفة و الاداب
الممتازة في كلّ شأن من الشئون.