فاقول: اعلم
هداك اللّه إلى الصّراط المستقيم، و ثبّتك على المنهج القويم، أنّ القرآن لما كان
اصله مكتوبا:
فِي كِتابٍ
مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ بلا صحائف و لا
أوراق، لكونه قبل وجود الأنفس و الآفاق، و كنا في ابتداء وجودنا ضعفاء العقول،
ضعفاء الأبصار و لم يكن تصل قوة أنظارنا إلى أطراف هذه الأرقام، و أكناف هذه
الكلمات العظام، لتعاظم حروفها، و تعالى كلماتها، و تباعد أطرافها و حافاتها، لا
جرم تضرعنا إليه سبحانه بلسان احتياجنا و استعدادنا، و قلنا: إلهنا ارحم على
قصورنا، و لا تؤيسنا عن روحك و رحماتك، و اهدنا سبيلا إلى مطالعة كلماتك، و وصولا
إلى رضوانك و جنّاتك، فتلطف سبحانه بنا بمقتضى عنايته الشّاملة، و حكمته الكاملة و
رحمته الواسعة، و قدرته البالغة، فاعطى لنا نسخة مختصرة من أسرار كتبه الجامعة، و
أنموذجا وجيزا من معاني كلماته التّامة و هو القرآن الكريم و الصّراط المستقيم، و
التّنزيل من العزيز الرّحيم، نزّله على النّبي الأمين، لانجاء العباد من سلاسل
تعلّقات النّفس، و وساوس الشّيطان اللّعين، فلو كشف نقاب العزّة عن وجهه، و رفع
جلباب العظمة و الكبرياء عن سرّه، لشفى كلّ عليل، و روى كلّ غليل، و داوى كلّ مريض
القلب بعلل الأخلاق الذميمة، و أسقام الجهالات المهلكة، و أنجى المقيدين بسلاسل
التعلّقات، و المزيّنين بحبّ الأهل و الأولاد و الشّهوات، و هو مع عظمة قدره و
علوّ منزلته و سموّ مكانه، قد تلبّس بلباس الحروف و الأصوات، و اكتسى بكسوة
الألفاظ و العبارات، رحمة منه سبحانه على العباد، و شفقة على خلقه و تقريبا إلى
أفهامهم و مداراة معهم، و منازلة إلى اذواقهم، و إلّا فما للتّراب و ربّ الأرباب،
ففي كلّ حرف منه ألف رمز و إشارة، و فيكلّ لفظ ألف سرّ و كناية.
و لذلك قال
رسول اللّه 6 فيما رواه في الكافي باسناده إلى الصّادق 7 عن