عن هذا غافلين أو يعتذروا بشرك آبائهم و
أنّهم نشأوا على دينهم و سنّتهم و هذا يقتضي أنّ الآية لم تتناول ولد آدم لصلبه و
أنّها تناولت من كان له آباء مشركون، و هذا يدلّ على اختصاصها ببعض ذريّة آدم،
فهذا شهادة الظاهر ببطلان تأويلهم.
فأمّا شهادة
العقل فمن حيث لا تخلو هذه الذريّة التّي استخرجت من ظهر آدم فخوطبت و قرّرت من أن
تكون كاملة العقل مستوفية الشروط أو لا تكون كذلك.
فان كانت
بالصّفة الاولى وجب أن يذكر هؤلاء بعد خلقهم و إنشائهم و إكمال عقولهم ما كانوا
عليه في تلك الحال و ما قرّروا به و استشهدوا عليه لأنّ العاقل لا ينسى ما جرى هذا
المجرى و إن بعد العهد و طال الزّمان، و لهذا لا يجوز أن يتصرف أحدنا في بلد من
البلدان و هو عاقل كامل، فينسى مع بعد العهد جميع تصرّفه المتقدم و ساير أحواله، و
ليس أيضا لتخلّل الموت بين الحالين تأثير لأنّه لو كان تخلّل الموت يزيل الذكر
لكان تخلّل النّوم و السّكر و الجنون و الاغماء بين أحوال العقلاء يزيل الذكر، لما
مضى من أحوالهم، لأن ساير ما عددناه ممّا ينفي العلوم يجري مجرى الموت في هذا
الباب، و ليس لهم أن يقولوا إذا جاز في العاقل الكامل أن ينسي ما كان عليه في حال
الطفوليّة جاز ما ذكرناه، و ذلك انّا إنّما أوجبنا ذكر العقلاء لما ادعوه إذا كملت
عقولهم من حيث جرى عليهم و هم كاملوا العقل، و لو كانوا بصفة الأطفال في تلك الحال
لم نوجب عليهم ما أوجبناه، على أنّ تجويز النّسيان عليهم ينقض الغرض في الآية، و
ذلك إنّ اللّه تعالى أخبر بأنّه إنّما قرّرهم و أشهدهم لئلّا يدّعوا يوم القيامة
الغفلة عن ذلك، و سقوط الحجّة عنهم فيه، فاذا جاز نسيانهم له عاد الأمر إلى سقوط
الحجّة عنهم و زوالها.
و إن كانوا
على الصّفة الثّانية من فقد العلم «العقل خ» و شرايط التّكليف قبح خطابهم و
تقريرهم و إشهادهم و صار ذلك عبثا قبيحا تعالى اللّه عنه.
ثمّ قال: فان
قيل: قد أبطلتم تأويل مخالفيكم فما تأويلها الصّحيح عندكم؟