و حرّها شديد، و عذابها جديد، و مقامعها
حديد، و شرابها صديد، لا يفتر عذابها، و لا يموت ساكنها، دار ليست للّه سبحانه
فيها رحمة، و لا تسمع فيها دعوة و مع هذا رحمة اللّه الّتي وسعت كلّ شيء لا تعجز
عن العباد، و جنّة عرضها كعرض السماوات و الأرض، خير لا يكون بعده شرّ أبدا، و
شهوة لا تنفد أبدا، و لذّة لا تفنى أبدا، و مجمع لا يتفرّق أبدا، قوم قد جاوروا
الرحمن، و قام بين أيديهم الغلمان، بصحاف من ذهب فيها الفاكهة و الريحان، و أنّ
أهل الجنّة يزورون الجبّار سبحانه في كلّ جمعة فيكون أقربهم منه على منابر من نور،
و الّذين يلونهم على منابر من ياقوت، و الّذين يلونهم على منابر من مسك فبيناهم
كذلك ينظرون اللّه جلّ جلاله و ينظر اللّه في وجوههم إذ أقبلت سحابة تغشاهم فتمطر
عليهم من النعمة و اللذّة و السرور و البهجة ما لا يعلمه إلّا اللّه سبحانه، و مع
هذا ما هو أفضل منه رضوان اللّه الأكبر، أما إنّا لو لم نخوّف إلّا ببعض ما خوّفنا
به لكنّا محقوقين أن يشتدّ خوفنا ممّا لا طاقة لنا به، و لا صبر لقوّتنا عليه، و
أن يشتدّ شوقنا إلى ما لا غنى لنا عنه، و ما لا بدّ لنا منه، فإن استطعتم عباد
اللّه أن يشتدّ خوفكم من ربّكم فافعلوا فإنّ العبد إنّما تكون طاعته على قدر خوفه،
و إنّ أحسن النّاس للّه طاعة أشدّهم له خوفا.
و انظر يا
محمّد صلاتك كيف تصلّيها فانّما أنت إمام ينبغي لك أن تتمّها، و أن تخفّفها و أن
تصلّيها لوقتها فانّه ليس من إمام يصلّي بقوم فيكون في صلاته و صلاتهم نقص إلّا
كان إثم ذلك عليه و لا ينقص من صلاتهم شيئا.
و اعلم أنّ
كلّ شيء من عملك يتبع صلاتك فمن ضيّع الصّلاة فهو لغيرها أشدّ تضييعا، و وضوءك من
تمام الصلاة فأت به على وجهه فالوضوء نصف الإيمان أسأل اللّه الّذي يرى و لا يرى و
هو بالمنظر الأعلى أن يجعلنا و إيّاك من المتّقين الّذين لا خوف عليهم و لا هم
يحزنون.
فإن استطعتم
يا أهل مصر أن تصدّق أقوالكم أفعالكم و أن يتوافق سرّكم