و اعلموا عباد اللّه أنّ ما بعد الموت
أشدّ من الموت لمن لم يغفر اللّه له و يرحمه، و احذروا القبر و ضمّته، و ضيقه و
ظلمته فانّه الّذي يتكلّم كلّ يوم:
أنا بيت
التراب، و أنا بيت الغربة، و أنا بيت الدّود، و القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة
من حفر النّار، إنّ المسلم إذا مات قالت الأرض: مرحبا و أهلا قد كنت ممّن احبّ أن
تمشي على ظهري، فاذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك فيتّسع له مدّ بصره، و إذا دفن
الكافر قالت له الأرض: لا مرحبا و لا أهلا قد كنت ممّن ابغض أن تمشى على ظهري،
فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك، فتنضمّ عليه حتى تلتقى أضلاعه.
و اعلموا أنّ
المعيشة الضّنك الّتي قال سبحانه: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً، هي عذاب
القبر فانّه يسلّط على الكافر في قبره حيّات عظام تنهش لحمه حتّى يبعث لو أنّ
تنّينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت الزرع أبدا.
و اعلموا
عباد اللّه أنّ أجسادكم الرقيقة النّاعمة الّتي يكفيها اليسير من العقاب ضعيفة عن
هذا، فإن استطعتم أن ترحموا أنفسكم و أجسادكم مما لا طاقة لكم به و لا صبر عليه
فتعملوا بما أحبّ اللّه سبحانه، و تتركوا ما كره فافعلوا، و لا حول و لا قوّة إلّا
باللّه.
و اعلموا
عباد اللّه أنّ ما بعد القبر أشدّ من القبر يوم يشيب فيه الصغير، و يسكر فيه
الكبير و تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت، و احذروا يوما عبوسا قمطريرا كان شرّه
مستطيرا، أما إنّ شرّ ذلك اليوم و فزعه استطار حتّى فزعت منه الملائكة الّذين ليست
لهم ذنوب و السبع الشداد و الجبال الأوتاد و الأرضون المهاد و انشقّت السماء فهى
يومئذ واهية و تغيّرت فكانت وردة كالدّهان، و كانت الجبال سرابا بعد ما كانت صمّا
صلابا، يقول اللّه سبحانه: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي
السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، فكيف بمن
يعصيه بالسمع و البصر و اللّسان و اليد و الفرج و البطن إن لم يغفر اللَّه و يرحم؟
و اعلموا
عباد اللّه أنّ ما بعد ذلك اليوم أشدّ و أدهى، نار قعرها بعيد،