فالعبارة في طريق معرفتها حجاب، و
الإشارة على وجه إشراقها نقاب، لأنّها يعنى حقيقة التوحيد منزّهة عن أن تصل إلى
كنهها العقول و الأفهام، مقدّسة عن أن تظفر بمعرفتها الأفكار و الأوهام، شعر:
تجول عقول الخلق حول حمائها
و لم يدركوا من برقها غير لمعة
و إلى صعوبة
إدراكها يعنى حقيقة التوحيد و شدّة خفائها أشار مولانا و إمامنا أمير المؤمنين و
يعسوب المسلمين سلطان الأولياء و الوصيين وارث علوم الأنبياء و المرسلين عليّ بن
أبي طالب 7 في قوله: ما وحّده من كيّفه، و لا حقيقته أصاب من مثّله، و
لا إيّاه عنى من شبّهه، و لا قصده من أشار إليه و توهّمه.
و في قوله:
هو الأحد لا بتأويل عدد، و الخالق لا بمعنى حركة و نصب و السميع لا بأداة، و
البصير لا بتفريق آلة، و الشاهد لا بمماسّة، و البائن لا بتراخى مسافة، و الظاهر
لا برؤية، و الباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها و القدرة عليها، و بانت
الأشياء منه بالخضوع له و الرجوع إليه، من وصفه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه، و
من عدّه فقد أبطل أزله، و من قال كيف فقد استوصفه، و من قال أين فقد حيّزه، عالم
إذ لا معلوم، و ربّ إذ لا مربوب و قادر إذ لا مقدور.
و في قوله:
أوّل الدين معرفته- إلخ.
و كذلك
الشّيخ العارف الشبلى البغدادي رحمة اللّه عليه في قوله: من أجاب عن التوحيد
بعبارة فهو ملحد، و من أشار إليه باشارة فهو زنديق، و من أومى إليه فهو عابد وثن،
و من نطق فيه فهو غافل، و من سكت عنه فهو جاهل، و من وهم أنّه إليه واصل فليس له
حاصل، و من ظنّ أنّه منه قريب فهو عنه بعيد، و من به تواجد فهو له فاقد، و كلّ ما
ميّزتموه بأوهامكم و أدركتموه بعقولكم في أتمّ معانيكم فهو مصروف مردود إليكم،
محدث مصنوع مثلكم.
و ليس مرادهم
من هذه الإشارات الامتناع من حصوله، و لا اليأس من وصوله بل المراد منها إعلاء
أعلام منزلته، و ارتفاع أركان درجته، و بيان أنّه ليس