و خير ما اكتسب من الدّنيا ما أصابه العباد الصالحون منها من التقوى
و من يقس الدّنيا بالاخرة يجد بينهما بعيدا (بونا بعيدا- ظ).
و اعلم يا
معاوية أنّك قد ادّعيت أمرا لست من أهله لا في القديم و لا في الحديث و لست تقول
فيه بأمر بيّن يعرف له أثر و لا عليك منه شاهد و لست متعلّقا باية من كتاب اللَّه
و لا عهد من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و اله فكيف أنت صانع إذا تقشّعت عنك
غيابة ما أنت فيه من دنيا قد فتنت بزينتها، و ركنت إلى لذّاتها، و خلّى بينك و بين
عدوّك فيها، و هو عدوّ كلب مضلّ جاهد مليح ملح مع ما قد ثبت في نفسك من حبّها دعتك
فأجبتها، و قادتك فاتّبعتها، و أمرتك فأطعتها؛ فاقعس عن هذا الأمر، و خذ أهبة
الحساب فإنّه يوشك أن يقفك واقف على ما يخبيك مجن.
و متى كنتم
يا معاوية ساسة الرعية، أو ولاة لأمر هذه الامّة بلا قدم حسن، و لا شرف تليد على
قومكم؛ فاستيقظ من سنتك و ارجع إلى خالقك، و شمّر لما سينزل بك؛ و لا تمكّن عدوّك
الشيطان من بغية (بغيته- خ ل) فيك مع أنّي أعرف أنّ اللَّه و رسوله صادقان نعوذ
باللّه من لزوم سابق الشقاء و إلّا تفعل فانّي اعلمك ما أغفلت من نفسك أنّك مترف
قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدّم في العروق، و لست من أئمّة هذه
الامّة و لا من رعاتها.
و اعلم أنّ
هذا الأمر لو كان إلى النّاس أو بأيديهم لحسدوناه، و لا متنّوا علينا به، و لكنّه
قضاء ممّن منحناه و اختصّنا به على لسان نبيّه الصادق المصدّق لا أفلح من شكّ بعد
العرفان و البيّنة ربّ احكم بيننا و بين عدوّنا بالحقّ و أنت خير الحاكمين.
فكتب معاوية
إليه الجواب من معاوية بن أبي سفيان .... و لا تفسد سابقة جهادك بشره .... و لا
تمحص سابقتك بقتال من لا حقّ لك .... فاقرأ السورة الّتي يذكر فيها الفلق و تعوّذ
من نفسك فانّك الحاسد إذا حسد.
اللغة
«تكشّفت عنك»
أى ارتفعت و زالت عنك و «انقشعت» و «تقشّعت» بمعنى انكشفت و تكشّفت يقال: انقشع
السحاب و تقشّع أي زال و انكشف.