مع أنّي قد ظننت أنّه يزيدك نجاحا ما تثق به من كثرة جنودك و ما ترى
من حسن عدّتهم و طاعتهم لك و ما أجدني أشكّ أنّهم أو أكثرهم كارهون لما كان من
شخوصك بهم عارفون بأنّك قد حملتهم على غير الحقّ، و دعوتهم إلى ما يسخط اللّه فهم
في حربنا غير مستبصرين، و نيّاتهم في مناصحتك اليوم مدخولة، فانظر ما قدر غناء من
يقاتل على مثل هذه الحال؛ و ما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفا بأنّه
إن ظفر فمع عار، و إن قتل فإلى النّار؟
فأنا اذكّرك
اللّه الّذي جعلته على نفسك كفيلا، و نعمتي عليك و على من معك[1]
بعد يأسكم من الحياة و إشفائكم على الممات، و أدعوك إلى ما فيه حظك و رشدك من
الوفاء بالعهد و الاقتداء بابائك الّذين مضوا على ذلك في كلّ ما أحبّوه أو كرهوه
فأحمدوا عواقبه و حسن عليهم أثره.
و مع ذلك
إنّك لست على ثقة من الظّفر بنا، و البلوغ لنهمتك فينا و إنّما تلتمس منّا أمرا
نلتمس منك مثله، و تناوىء عدوّا لعلّه يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج
عليك، و تقدّمت الإعدار إليك، و نحن نستظهر باللّه الّذي اعتززنا به و وثقنا بما
جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك و ازدهتك عدّة أصحابك، فدونك هذه
النّصيحة فواللّه ما كان أحد من نصحانك ببالغ لك أكثر منها، و لا زائد لك عليها، و
لا يحرّمنك منفعتها مخرجها منّي فإنّه لا يزرى بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من
قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء.
و اعلم أنّه
ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي، و لا قلّة من جنودي؛ و لكنّي
أحببت أن أزداد بذلك حجّة و استظهارا، و أزداد به من اللّه النّصر و المعونة
استيجابا، و لا أوثر على العافية و السلامة شيئا ما وجدت إليهما سبيلا.
[1] عطف على اللّه أى. اذكرك نعمتى عليك و على من معك. منه.