ثمّ إن سفراء اللّه و حججه على خلقه
لصفاء جوهر نفوسهم القدسيّة و شدة صقالتها و نورانيتها الموصل لها إلى المبادى
العالية و شدة الالتصاق بها من غير كسب و تعلم قدروا على الاطلاع على الامور
الغائبة من غير كسب و فكر.
قال الشيخ
الرّئيس فى النمط العاشر من الاشارات: إذا بلغك أن عارفا حدّث عن غيب فأصاب متقدما
ببشرى أو نذير فصدّق و لا يتعسّرن عليك الايمان به فان لذلك فى مذاهب الطبيعة
اسبابا معلومة.
و ما يناسب
المقام من الحديث عن غيب عن أمير المؤمنين و رئيس الموحدين و قدوة العارفين علىّ
بن أبي طالب 7 ما أتى به نصر بن المزاحم المنقرى فى كتاب صفين قال:
حدثنى مصعب بن سلم قال أبو حيان التميمى عن أبى عبيدة عن هرثمة بن سليم قال: غزونا
مع علىّ بن أبي طالب غزوة صفّين فلما نزلنا بكربلا صلّى بنا صلاة فلمّا سلّم رفع
إليه من تربتها فشمّها ثمّ قال و اهالك أيتها الرتبة ليحشرنّ منك قوم يدخلون
الجنّة بغير حساب فلمّا رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته و هى جرداء بنت سمير و كانت
شيعة لعليّ فقال لها زوجها هرثمة الا اعجبك من صديقك أبى الحسن لما نزلنا بكربلا
رفع إليه من تربتها فشمّها و قال و اهالك يا تربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنّة
بغير حساب و ما علمه بالغيب فقالت له دعنا منك أيّها الرّجل فانّ أمير المؤمنين
7 لم يقل الاحقا، فلما بعث عبيد اللّه بن زياد البعث الذى بعثه إلى
الحسين بن عليّ و أصحابه قال كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم فلما انتهيت إلى
القوم و حسين و أصحابه عرفت المنزل الّذى نزل بنا عليّ 7 فيه و البقعة
الّتي رفع إليه من ترابها و القول الذى قاله فكرهت مسيرى فأقبلت على فرسى حتى وقفت
على الحسين فسلمت عليه و حدثته بالذى سمعت من أبيه في هذا المنزل فقال الحسين 7 معنا أنت أو علينا؟ فقلت يا ابن رسول اللّه لا معك و لا عليك تركت أهلي و
ولدى أخاف عليهم من ابن زياد فقال الحسين 7 فولّ هربا حتى لا ترى لنا
مقتلا و الّذى نفس حسين بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل و لا يغيثنا إلا أدخله اللّه
النار قال: فأقبلت في الارض هاربا حتى خفى علىّ مقتله.