فشخص اليه جرير فلما قدم عليه ماطله و
استنظره و دعا عمرا[1] فاستشاره فيما كتب به اليه
فأشار عليه أن يرسل إلى وجوه الشام و يلزم عليا دم عثمان و يقاتله بهم ففعل ذلك
معاوية و كان أهل الشام لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الّذى قتل فيه
مخضبا بدمه و باصابع نائلة زوجته[2] مقطوعة بالبراجم اصبعان منها و
شيء من الكف و اصبعان مقطوعتان من اصولهما و نصف الابهام، وضع معاوية القميص على
المنبر و كتب بالخبر إلى الاجناد و ثاب اليه الناس و بكوا سنة و هو على المنبر و
الاصابع معلقه فيه.
و آلى الرجال
من أهل الشام ألا يأتوا النساء و لا يمسهم الماء للغسل إلا من احتلام و لا يناموا
على الفرش حتّى يقتلوا قتلة عثمان و من عرض دونهم بشىء او تفنى ارواحهم فمكثوا
حول القميص سنة و القميص يوضع كل يوم على المنبر و يجلّله احيانا فيلبسه و علق فى
اردانه اصابع نائلة.
فلما قدم
جرير بن عبد اللّه على علىّ فاخبره خبر معاوية و اجتماع أهل الشام معه على قتاله و
انهم يبكون على عثمان و يقولون ان عليا قتله و آوى قتلته و انهم لا ينتهون عنه
حتّى يقتلهم او يقتلوه.
فقال الاشتر لعلىّ
قد كنت نهيتك ان تبعث جريرا و اخبرتك بعداوته و غشه و لو كنت بعثتنى كان خيرا من
هذا الّذى اقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو فتحه الافتحه و لا بابا يخاف منه إلا
اغلقه.
فقال جرير لو
كنت ثمّ لقتلوك لقد ذكروا انك من قتلة عثمان. فقال الاشتر لو أتيتهم و اللّه يا
جرير لم يعيني جوابهم و لحملت معاوية على خطة اعجله فيها عن الفكر و لو اطاعنى فيك
أمير المؤمنين لحبسك و اشباهك فى محبس لا تخرجون منه حتّى
[2] يعنى ان نائلة كانت زوجة عثمان و هى احدى زوجاته و نسبها كما
قاله الطبرى فى تاريخه: هى نائلة ابنة الفرافصة بن الاحوص بن عمرو بن ثعلبة بن
الحارث بن حصن بن ضمضم ابن عدى بن جناب بن كلب. و لذا يقال لها نائلة الكلبية.