بالقدر خيره و شرّه فقد كفر، و من حمل
المعاصى على اللّه فقد فجر.
إنّ اللّه
عزّ و جلّ لا يطاع باكراه، و لا يعصى بغلبة، و لا يهمل العباد من الملكة، و لكنّه
المالك لما أملكهم، و القادر على ما أقدرهم، فان ائتمروا بالطاعة لن يكونوا صادّا
مثبطا، و ان ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم و بين ما ائتمروا به فعل، و إن
لم يفعل فليس هو حملهم عليها و لا كلّفهم ايّاها جبرا، بل تمكينه إيّاهم و إعذاره
إليهم طرفهم و مكّنهم، فجعل لهم السّبيل إلى أخذ ما أمرهم به و ترك ما نهاهم عنه،
و وضع التّكليف عن أهل النّقصان و الزّمانة، و السلام.
و هذا الحديث
الشريف و إن كان صدره مختصّا بالطعن على الحسن البصري و أتباعه إلّا أنّه بتمامه
متضمّن للرّد على جميع الصوفيّة في قولهم بالجبر و على الواصليّة و الاباحية خصوصا
حيث قالوا بسقوط التكاليف عند الوصول حسبما عرفت فيما تقدّم تفصيلا الثامن في
الاحتجاج روي أنّ زين العابدين 7 مرّ بالحسن البصري و هو يعظ الناس
بمنى فوقف عليه ثمّ قال له: أمسك أسألك عن الحال الّتي أنت عليها مقيم أ ترضاها
لنفسك فيما بينك و بين اللّه للموت إذا نزل بك غدا؟ قال: لا، قال:
أفتحدّث نفسك
بالتحوّل و الانتقال عن الحال التي لا ترضاها لنفسك إلى الحال الّتي ترضاها؟ قال:
فأطرق مليّا ثمّ قال: إنّى أقول ذلك بلا حقيقة، قال: أ فترجو نبيّا بعد محمّد 6 يكون لك معه سابقة؟ قال: لا، قال: أ فترجو دارا غير
الدّار الّتى أنت فيها فتردّ إليها فتعمل فيها؟ قال: لا، قال: أ فرأيت أحدا به
مسكة عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا أنّك على حال لا ترضاها و لا تحدّث نفسك
بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة و لا ترجو نبيّا بعد محمّد 6 و لا دارا غير الدار الّتي أنت فيها فتردّ إليها فتعمل فيها و أنت تعظ
الناس؟ قال: فلمّا ولّى 7 قال الحسن البصري:
من هذا؟
قالوا: عليّ بن الحسين 8 قال: أهل بيت علم، فما رأي الحسن بعد ذلك
يعظ الناس