(عملوا
فيها بما يبصرون) الفرق بين
أهل الدّنيا و أهل الاخرة أنّ بناء الأولين على الشكّ و
بناء الاخرين على اليقين كما قال تعالى في صفة الدهريّة:
وَ قالُوا
ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا
الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ فانهم
يشكّون في اللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الاخر و الجنّة و النّار و يعملون
عمل المستيقن بالعدم و الشاك في شيء حقّه أن يحتاط كمن يشكّ في وجود سبع في
الطريق أو بئر في ظلمة إذ لا يجوّز له العقل الاقتحام في المهلكة و أصحاب الدّهر
ما لهم علم بالعدم إن هم إلّا يظنّون و دليلهم انا لا نؤمن بما لا نحسّ مع أنّ عدم
الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود و هذا بخلاف أهل الاخرة فانهم آمنوا بالدليل
اليقيني و البرهان العلمي فعملوا بما يبصرون.
(و بادروا
فيها ما يحذرون) سبقوا الموت إلى فعل الخيرات أى خافوا أن يفجاهم الموت فبادروا
(تقلب أبدانهم بين ظهرانى أهل الاخرة) لا يجالسون غيرهم و لا يخالطون أحدا سواهم (يرون أهل
الدّنيا يعظمون موت أجسادهم) يعدون موتهم عظيما شديدا إذ يسلبهم مشتهياتهم
و يمنعهم التمتع بلذاتهم (و هم) أهل الاخرة (أشدّ
إعظاما لموت قلوب أحيائهم) إذ يسلبهم مشتهياتهم الحقيقية و يمنعهم
التمتع باللّذات الدّائمة.
و اعلم أنّ
أهل الدّنيا يظنون أن لا موجود وراء الجسم و لا دليل على شيء غير الحسّ و يكدون
كلّ كدّهم و يجدون جدّهم لعمارتها و التمتّع بها، و العقلاء عرفوا بعقولهم و بما
أخبرهم أصحاب الوحى أنّ وراء هذا العالم المحسوس عالما آخر بل عوالم اخرى لا يحصى
عددها إلّا اللّه.
و نظير ذلك
أنّ جماعة زعموا أنّ الشمس واحدة، و قد ورد في الأخبار و أثبتت الارصاد أن وراء
هذه الشمس شموسا لا يحصى عددها إلّا اللّه تعالى و قد فتح اللّه على عقول
المتوسطين بابا إلى بعض تلك العوالم غير المحسوسة و هى باب الرؤيا الصادقة فانّ
الانسان في منامه قد يطلع على امور غائبة لا يمكن