أمير المؤمنين 7 جعل هذه
الصفة بعينها موجبا لتنفير النّاس و سببا لتزهيدهم قال طرفة:
ألا أيّهذا اللائمى احضر الوغى
و ان اشهد اللّذات هل أنت مخلدى
يعني إذا لم
يكن الانسان خالدا في الدّنيا فعليه أن يشهد اللذات لئلّا يفوته و أن يحضر الوغي
ليتنقم عن أعدائه و يظفر بالمال بالاغارة و مثله كثير في أشعارهم بالعربية و
الفارسيّة خصوصا في أشعار الخيام، و قال أمير المؤمنين 7 إنها غرّارة
خدوع و لذاتها ليست لذّة بل عذاب أليم و يخدع بها الجهال و ليس شيء منها دائما
فلا ينبغي أن يعرج العاقل عليه.
و كلام أمير
المؤمنين 7 يفيد أرباب العقول و أصحاب الأديان القائلين بالاخرة و
الحياة الدّائمة فيها يستبدلون اللّذة الخالصة الباقية باللّذة المكدّرة الفانية و
أمّا أصحاب الطبائع الذين لا يعترفون بالاخرة يقولون: اللّذة الفانية غير الدائمة
أولى من عدم اللّذة مطلقا.
و مما يناسب
ذلك في أنّ خصلة واحدة يجعلها كلّ أحد دليلا على شيء يقتضيه طباعه الحديث المروى
عن الحسن بن علىّ 8: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، حمله أهل الدّين
على الأمر بالمسامحة و التعلّل و عدم الحرص فى الدّنيا، لأن من يزعم أنه يعيش أبدا
لا يتعجّل فى الامور، و حمله أهل النفاق و المتجدون على الأمر بالحرص فى الدّنيا
لأنّ الذي يعلم أنّه يعيش أبدا يسعى فى جمع المال و عمارة مسكنه و تدبير ماله و
اجادة معاشه أكثر ممن يعلم أنه سيرحل عن منزله.
الفصل
الثاني
(منها فى
صفة الزهاد: كانوا قوما من أهل الدّنيا و ليسوا من أهلها فكانوا فيها كمن ليس
منها) و منه اخذ أبو على بن سينا كلامه فى وصف العارفين: فكأنهم و هم فى
جلابيب أبدانهم قد نضوها و تجرّدوا عنها و قال السعدى: