روى ابن أبي ذئب عن أبي صالح العجلي قال:
شهدت أمير المؤمنين كرّم اللّه وجهه و هو يخطب فقال بعد أن حمد اللّه تعالى و صلّى
على محمّد رسوله 6:
أيّها النّاس
إنّ اللّه أرسل إليكم رسولا ليربح به عليكم، و يوقظ به غفلتكم و إنّ أخوف ما أخاف
عليكم اتّباع الهوى و طول الأمل، أمّا اتّباع الهوى فيصدّكم عن الحقّ، و أمّا طول
الأمل فينسيكم الاخرة، ألا و انّ الدّنيا قد ترحّلت مدبرة، و إنّ الاخرة قد ترحّلت
مقبلة، و لكلّ واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الاخرة و لا تكونوا من أبناء
الدّنيا، فانّ اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل.
و اعلموا
أنّكم ميّتون و مبعوثون من بعد الموت و محاسبون على أعمالكم و مجازون بها، فلا
يغرّنكم الحياة الدّنيا و لا يغرّنكم باللّه الغرور.
فانّها دار
بالبلاء محفوفة، و بالعناء و الغدر موصوفة، و كلّ ما فيها إلى زوال، و هي بين
أهلها دول و سجال، لا تدوم أحوالها، و لا يسلم من شرّها نزّالها، بينا أهلها في
رخاء و سرور، إذا هم في بلاء و غرور، العيش فيها مذموم، و الرّخاء فيها لا يدوم،
أهلها فيها أغراض مستهدفة، كلّ حتفه فيها مقدور، و حظّه من نوائبها موفور.
و أنتم عباد
اللّه على محجّة من قد مضى، و سبيل من كان ثمّ انقضى، ممّن كان أطول منكم أعمارا و
أشدّ بطشا، و أعمر ديارا، أصبحت أجسادهم بالية، و ديارهم خالية، فاستبدلوا بالقصور
المشيّدة، و النّمارق الموسّدة، بطون اللّحود، و مجاورة الدّود، في دار ساكنها
مغترب، و محلّها مقترب، بين قوم مستوحشين، متجاورين غير متزاورين، لا يستأنسون
بالعمران، و لا يتواصلون تواصل الجيران، على ما بينهم من قرب الجوار، و دنوّ
الدّار.
و كيف يكون
بينهم تواصل و قد طحنتهم البلى، و أظلتهم الجنادل و الثرى، فأصبحوا بعد الحياة
أمواتا، و بعد غضارة العيش رفاتا، قد فجع بهم الأحباب، و اسكنوا التّراب، و ظعنوا
فليس لهم اياب، و تمنّوا الرّجوع فحيل بينهم و بين ما يشتهون