و كيف يكون بينهم تواصل و قد طحنهم
بكلكله البلى، فأكلهم الجنادل و الثرى، فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، و بعد غضارة
العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب و سكنوا التراب، و ظعنوا فليس لهم اياب، هيهات هيهات
«كلّا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون».
و كأن قد
صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى و الوحدة فى دار الموت، و ارتهنتهم في ذلك
المضجع، و ضمّكم ذلك المستودع، فكيف بكم لو قد تناهت الامور، و بعثرت القبور و
حصّل ما في الصّدور و وقعتم للتحصيل، بين يدي الملك الجليل، فطارت القلوب لاشفاقها
من سلف الذنوب، هتكت منكم الحجب و الأستار، و ظهرت منكم العيوب و الأسرار «هنا لك
تجزى كلّ نفس بما كسبت» إنّ اللّه يقول لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما
عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.
اغتنموا
أيّام الصحّة قبل السقم، و أيام الشيبة قبل الهرم، و بادروا بالتوبة قبل النّدم، و
لا يحملنّكم المهلة على طول الغفلة، فان الأجل يهدم الأمل، و الأيّام موكلة بنقص
المدّة، و تفريق الأحبّة.
فبادروا
رحمكم اللّه بالتوبة قبل حضور النوبة، و بروز اللّعبة التي لا ينتظر معه الأوبة و
استعينوا على بعد المسافة بطول المخافة.
فكم من غافل
وثق لغفلته، و تعلّل بمهلته، فأمّل بعيدا، و بنى مشيدا، فنقص بقرب أجله بعد أمله،
فأجابه منيّته، فصار بعد العزّ و المنعة و الشرف و الرفعة مرتهنا بموبقات عمله، قد
غاب فما رجع، و ندم فما انتفع، و شقى بما جمع في يومه و سعد به غيره في غده، و بقى
مرتهنا بكسب يده، زاهلا عن أهله و ولده، لا يغنى عنه ما ترك فتيلا، و لا يجد إلى
مناص سبيلا فعلهم عباد اللّه التعرّج و الدّلج و إلى أين المفرّ و المهرب، و هذا
الموت في الطلب يخترم الأوّل فالأوّل، لا يتحنّن على ضعيف، و لا يعرّج على شريف، و
الجديد ان يحثّان الأجل تحثيثا، و يسوقانه سوقا حثيثا، و كلّ ما هو آت فقريب، و من
وراء ذلك العجب العجب فأعدّوا الجواب يوم الحساب، و أكثروا الزّاد ليوم المعاد،
عصمنا اللّه و إياكم بطاعته، و أعاننا و اياكم