أقول: مراده
7 أنّها مشهورة بالغدر و الخداع، معروفة
بالمكر و الغرور غير مختفية حيلتها و مكيدتها على أهل البصيرة، لأنّها بكونها حلوة
خضرة محفوفة بالشهوات و مهيّاة للامال و الامنيّات، أعجبت النّاس
بشهواتها العاجلة و تحبّبت إليهم بلذّاتها الحاضرة، و تزيّنت بالغرور، فاغترّ بها
كلّ من كان غافلا عن مكيدتها و افتتن بحبّها كلّ من كان جاهلا بحقيقتها، حتّى إذا
أوقعتهم في حبائل محبّتها أبدت ما كان مضمرا في باطنها من مكرها و حيلتها، فلم يكن
امرء منها في حبرة إلّا أعقبته بعدها عبرة و لم يلق من سرّائها بطنا إلّا منحته من
ضرّائها ظهرا، و لم ينل أحد من غضارتها رغبا إلّا أرهقته من نوائبها تعبا، فكم من
واثق بها قد فجعته، و ذى طمأنينة قد صرعته، و ذى ابهة قد جعلته حقيرا، و ذى نخوة
قد ردّته ذليلا.
و كفى في
ايضاح غدرها ما قاله بعض قدماء أهل الحقيقة و البصيرة من أنها الاخذة ما تعطى و
المورثة بعد ذلك التبعة، السالبة لمن تكسو و المورثة بعد ذلك العرى، الواضعة لمن
ترفع و المورثة بعد ذلك الجزع، التاركة لمن يعشقها و المورثة بعد ذلك الشقوة،
المغوية لمن أطاعها الغدّارة بمن أئتمنها، هي المحبوبة التي لا تحبّ أحدا،
الملزومة التي لا تلزم أحدا يوف لها و تغدر، و يصدق لها و تكذب و ينجز لها فتخلف،
هى المعوّجة لمن استقام بها، و المتلاعبة بمن استمكنت منه بيناهى تطعمه إذ حولته
مأكولا، و بيناهى تخدمه إذ جعلته خادما، و بيناهى تضحكه إذ ضحكت منه، و بيناهى
تشتمه إذ شتمت منه، و بيناهى تبكيه إذ بكت عليه، و بيناهى قد بسطت يده بالعطية إذ
بسطتها بالمسألة، و بينا هو فيها عزيز إذ أذلّته، و بينا هو فيها مكرّم إذ أهانته،
و بينا هو فيها معظم إذ حقرته، و بينا هو فيها رفيع إذ وضعته، و بينا هى له مطيعة
إذ عصته، و بينا هو فيها مسرور إذ أحزنته، و بينا هو فيها شبعان إذ أجاعته، و بينا
هو فيها حىّ إذ أماتته.
فافّ لها من
دار هذه صفتها تضع التاج على رأسه غدوة، و تعفّر خدّه بالتراب