عشية، و تحلى الأيدى بالأسورة عشيّة، و
تجعلها في الأغلال غدوة، و تقعد الرّجل على السرير غدوة، و ترمى به في السجن
عشيّة، تفرش له الدّيباج عشيّة، و تفرش له التراب غدوة، و تجمع له الملاهى و
المعازف غدوة، و تجمع عليه النوائح و النوادب عشيّة، تحبّب إلى أهله قربه عشيّة، و
تحبّب إليهم بعده غدوة، تطيب ريحه غدوة، و تنتن ريحه عشيّة.
فهو في كلّ
ساعة متوقّع لسطوتها غير آمن غدرها و خديعتها، غير ناج من بلائها و فتنها، تمتّع
نفسه من أحاديثها، و عينه من أعاجيبها، و يده من جمعها، ثمّ يصبح باكى العينين،
صفر اليدين، في أودية الندامة و الحسرة و الخذلان حيران.
و من ذلك
كلّه علم أنها (لا تدوم أحوالها) بل يصير حياتها موتا و غناؤها فقرا و فرحها
ترحا، و صحتها سقما، و قوّتها ضعفا، و عزّها ذلا، إلى غير هذه من حالاتها
المتبدّلة المتغيّرة.
(و لا تسلم
نزالها) أى لا تسلم النازل في تلك الدّار من آلامها و آفاتها و
صدماتها بل هو في كلّ آن مترقّب لإصابة مكروه، و جل من كلّ بلاء.
فانّ كلّ ذى
جسد فيها لا ينفكّ جسده من أنّ الحرّ يذيبه، و البرد يجمده و السّموم يتخلّله، و
الماء يغرقه، و الشّمس تحرقه، و الهواء يسقمه، و السّباع يفترسه، و الطّير تنقره،
و الحديد يقطعه، و الصّدم يحطمه.
ثمّ هو معجون
بطينة من ألوان الأسقام و الأوجاع و الأمراض، فهو مرتهن بها مترصّد لها دائما،
لكونه مخلوقا من الأخلاط الأربعة الّتي لو غلب أحدها على الاخر أحدث أنواعا من
المرض ألا ترى إنّ أصحّ الأخلاط و أقربها إلى الحياة هو الدّم، فاذا خرج عن حدّ
الاعتدال يموت صاحبه بموت الفجأة و الطّاعون و الاكلة و السّرسام.
هذا كلّه مع
ماله من مقارنة الافات السّبع الّتى لا يتخلّص منها ذو جسد، و هى الجوع، و
الظّماء، و الحرّ، و البرد، و الخوف، و الجوع «و المرض ظ» و الموت.