و لذلك عقّبه بقوله (و لا تبذل جاهى بالاقتار) أى لا تجعل مروّتى و
حرمتى ساقطة عند النّاس بضيق المعيشة و قلّة النفقة، فانّ
الاقتار يوجب الاستهانة و الاحتقار و استخفاف النّاس
بالمتّصف به.
و من هنا قال
الصّادق 7: لا تدعوا التّجارة فتهونوا.
و في بعض
الاثار أحسنوا تعهّد المال فانّه ما افتقر أحد قطّ إلّا أصابه ثلاث خصال: رقّة فى
دينه، و ضعف فى عقله، و ذهاب من مروّته، و الرابعة هى العظمى و هى استخفاف الناس
به.
و فى وصايا
لقمان: يا بنىّ اكلت الحنظل و ذقت الصّبر فلم يكن أمرّ من الفقر، فان افتقرت فلا تحدّث
النّاس كيلا ينتقصوك.
و ترك ابن
المبارك دنانير و قال: اللّهمّ إنك تعلم أنّى لم أجمعها إلّا لأصون بها حسبى و
دينى.
و قالت
الحكماء: المال يرفع صاحبه و إن كان وضيع النّسب قليل الأدب و ينصره و إن كان
جبانا، و ينبسط لسانه و إن كان عيابة، يظهر المروة و يتم الرياسة يصلك إذا قطعك
النّاس، و ينصرك إذ اخذ لك الأقربون، و لولاه ما مدح كريم و لا صين حريم.
و كان بعضهم
يقول: النّاس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشّمس، و من الذّئب للمصر، و من الحكم
للمقرّ، و هو عندهم أرفع من السّماء و أعذب من الماء و أحلى من الشهد و أزكى من
الورد، خطاؤه صواب، و سيئته حسنة و قوله مقبول، و حديثه مغسول، يغشى مجلسه و لا
يملّ صحبته، و المفلس عند النّاس أكذب من لمعان السّراب، و من سحاب تموز لا يسأل
منه إن تخلّف، و لا يسلّم عليه إن قدم إذا غاب شتموه و إن حضر طردوه و إذا غضب
ضعفوه، مصافحته تنقض الوضوء، و قراءته تقطع الصّلاة أثقل من الامانة و أبغض من
المبرم الملحف.
و قد أكثر
الشعراء في نظمهم من هذا المعنى قال بعضهم: