متّفقين في القوّة، متوازنين في القدرة
لكنت أوّل حاكم على نفسك بذميم الأخلاق، و مساوي الأعمال. و حقّا أقول ما الدّنيا
غرّتك، و لكن بها اغتررت، و قد كاشفتك العظات، و آذنتك على سواء، و لهي بما تعدّك
من نزول البلاء بجسمك و النّقص في قوّتك أصدق و أوفى من أن تكذبك أو تغرّك، و لربّ
ناصح لها عندك متّهم، و صادق من خبرها مكذّب، و لئن تعرّفتها في الدّيار الخاوية و
الرّبوع الخالية لتجدنّها من حسن تذكيرك و بلاغ موعظتك بمحلّة الشّفيق عليك، و
الشّحيح بك، و لنعم دار من لم يرض بها دارا، و محلّ من لم يوطّنها محلّا. و إنّ
السّعدآء بالدّنيا غدا هم الهاربون منها اليوم، إذ رجفت الرّاجفة، و حقّت بجلائلها
القيامة، و لحق بكلّ منسك أهله، و بكلّ معبود عبدته، و بكلّ مطاع أهل طاعته، فلم
يجز في عدله يومئذ خرق بصر في الهواء، و لا همس قدم في الأرض إلّا بحقّه، فكم حجّة
يوم ذاك داحضة، و علايق عذر منقطعة، فتحرّ من أمرك ما يقوم به عذرك، و تثبت به
حجّتك، و خذ ما يبقى لك ممّا لا تبقى له، و تيسّر لسفرك، و شم برق النّجاة، و ارحل
مطايا التّشمير.