رابحة «و لا بيع عن ذكر اللّه» مبالغة
بالتعميم بعد التّخصيص إن أريد به مطلق المعاوضة، أو بافراد ما هو أهمّ من قسمى
التجارة فانّ الرّبح يتحقّق بالبيع و يتوقّع بالشّرا، و قيل: المراد بالتّجارة الشّرى فانّه أصلها و
مبدؤها.
(يقطعون به
أيّام الحياة) أى أيّام حياتهم، و يحتمل أن يكون المعنى أنّهم يقطعون بالاشتغال
به عن العلايق الدّنيويّة في تمام عمرهم، فتكون أيّام الحياة مفعولا فيه
لا مفعولا به و الأوّل أظهر.
(و يهتفون
بالزّواجر عن محارم اللّه في أسماع الغافلين) عن ذكر اللّه أى
يصيحون بالمواعظ البالغة و النّصايح الزّاجرة في أسماع أهل اللّهو و الغفلة زجرا
لهم أى إزعاجا و إبعادا عن المحارم (يأمرون) غيرهم (بالقسط) و العدل (و
يأتمرون) أى ينقادون (به) في أنفسهم (و ينهون
عن) الفحشاء و (المنكر و يتناهون) أى يكفّون (عنه) في ذاتهم
لما عرفت في شرح الخطبة المأة و الرابعة أنّ النّهى عن المنكر إنّما هو بعد
التناهى عنه.
(فكأنّما
قطعوا الدّنيا) و انتهوا (إلى الاخرة و هم فيها) أى و الحال أنّهم في
الدّنيا فكأنّهم قطعوها و مضوا إلى الدّار الأخرى (فشاهدوا) بعين
اليقين (ما وراء ذلك) العالم.
(فكأنّما) هم و الجنّة
كمن قد رآها فهم فيها منعّمون و على الأرائك متّكؤون و هم و النار كمن قد رآها فهم
فيها معذّبون و من هولها مصطرخون و كأنما (اطلعوا عيوب أهل البرزخ في طول
الاقامة فيه) أى علموا فظايع البرزخ و شدايد أهله الغايبة عن نظر أهل الدّنيا في
مدّة الاقامة المتمادية الطويلة لهم فيه (و) كأنما مجاز (حقّقت
القيامة عليهم عداتها) في إسناد التحقيق إلى القيامة و كذا إضافة
العدات إلى ضميرها تجوّز، و المراد كأنّ القيامة قد قامت عليهم و
حقّق اللّه تعالى مواعيده التي تكون فيها من تكوير الشمس و طمس النجوم و تسيير
الجبال و حشر الوحوش و كون الناس كالفراش المبثوث و الجبال كالعهن المنفوش و فرار
المرء من أخيه و امّه و أبيه و صاحبته و بنيه لكلّ امرء منهم يومئذ شأن يغنيه