وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشره و وجوه
يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة إلى غير هذه مما أخبر به الكتاب العزيز و نطق به
الأخبار.
(فكشفوا) ببياناتهم
الفصيحة و كلماتهم النصيحة (غطاء ذلك) أى ما رأوه بعين
اليقين من محجوبات الغيوب و مستورات الغيب المحجوب (لأهل الدّنيا) تنفيرا لهم
عنها و ترغيبا إلى دار الاخرى (حتّى كأنهم) من شدّة اليقين و
قوّة أبصار البصاير و آذان العقول (يرون) من أحوال النشأة
الأخروية (ما لا يرى) ساير (الناس و يسمعون ما لا يسمعون) و هذا
المقام مقام قوله 7: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.
قال الشارح
البحرانيّ: لما كان السبب فى قصور النفوس عن ادراك أحوال الاخرة و هو تعلّقها بهذه
الأبدان و اشتغالها بتدبيرها و الانغماس في الهيئات الدّنيوية المكتسبة عنها، و
كان هؤلاء الموصوفون قد غسلوا درن تلك الهيات من ألواح نفوسهم بمداومة ذكر اللّه و
ملازمة الرّياضة التامّة، حتّى صارت نفوسهم كمرايا مجلوّة حوذى بها سطر الحقائق
الالهية فجلت و انتقشت بها، لا جرم شاهدوا بعين اليقين سبيل النجاة و سبيل الهلاك
و ما بينهما فسلكوا على بصيرة و هدوا الناس على يقين و اخبروا عن امور شاهدوها
بأعين بصائرهم و سمعوا باذان عقولهم، فكأنهم في وضوح ذلك لهم و ظهوره و اخبارهم
عنه قد شاهدوا ما شاهده الناس بحواسّهم ما لم يشاهده الناس و سمعوا ما لم يسمعوه.
(فلو
مثلتهم بعقلك) أى تصوّرت مثالهم و صورهم (في مقاومهم المحمودة) أى مقامات
عبوديتهم و تذلّلهم التي يحمدهم اللّه ربّ العالمين بالقيام فى تلك المقامات (و
مجالسهم المشهودة) أى مجالس عبادتهم و تضرّعهم الّتي تشهدها الملائكة المقرّبون كما
قال عزّ من قائل وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً قال
المفسرون معناه إنّ صلاة الفجر تشهدها ملائكة اللّيل و ملائكة النهار استعارة
تمثيليّة و قوله 7: (و قد نشروا دواوين أعمالهم و فرغوا
لمحاسبة أنفسهم) من الاستعارة التمثيليّة حيث شبّههم 7 في تتبّعهم
لنفوسهم و ملاحظتهم لألواح ضمايرهم