بصرها أى قابلة للانتفاع بما في الكون من
عجايب التّدبير مدركة لما في الافاق و الأنفس من الايات و العبر بعد ما كانت غافلة
عن إدراكها.
(و تنقاد
به بعد المعاندة) أى تنقاد للحقّ بعد العناد و الالحاد، و ذلك لأنّه يحصل بدوام
الذّكر و الفكر حالة المراقبة و استشعار عظمة اللّه تعالى و جلاله و كبريائه فيحصل
بذلك ذلّ و انكسار و مهانة للقلب و يكون داخرا ذليلا منقادا لقبول أمر الرب و
نهيه، سالكا لسبيله بعد ما كانت منحرفا عنه و تجلو الذكر قلبه و تقرّ عين باطنه
فتبصر بما لا يبصر به قبل المداومة بالذّكر، اللّهمّ آنسنا به بلطفك الخفيّ
و اما
الفصل الثاني
فهو قوله:
(و ما برح) أى ما زال (للّه) بمقتضى لطفه
و رحمته (عزّت آلاؤه) و جلّت نعماؤه (في البرهة بعد
البرهة و في أزمان الفترات) من الرّسل و طول الهجعة من الامم (عباد) صالحون
كاملون في معرفته تامّون في عبوديّته قائمون بأمره في أنفسهم مبشّرون و منذرون
لغيرهم (ناجاهم في فكرهم) أى ألهمهم معرفته و أفاض على قلوبهم كيفيّة
سلوك سبيله و هداية الناس إليه (و كلّمهم في ذات عقولهم) أى خاطبهم
في باطنهم سرّا و تجوز به كالمناجاة عن الالهام و الإفاضة التي أشرنا إليها
(فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع و الأبصار و الأفئدة) أى استيقظوا بشمول
الألطاف الغيبيّة و الافاضات الالهيّة من نوم الغفلة و رقد الجهالة، و استضاءوا
بنور حاصل في الأسماع بسبب استماعها إلى ما فيه صلاح الدّين من
المواعظ و الحكم و الفضايل و آيات الكتاب المبين.
و قد قال
تعالى إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا فانّ
الاستماع إلى ذلك بقصد الفهم و القبول محصّل لأنوار الكمالات النفسانية، و لذلك
مدح اللّه تعالى المؤمنين بكون استماعهم على هذا الوجه و قال عزّ من قائل وَ إِذا
تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً أى إذا قرء على
المؤمنين القرآن و استمعوه زادتهم آياته تبصرة و يقينا