مقضيّة، صغيرهم عندنا خطير، و ذرّيهم
لدينا كبير، الفقير بيننا لا يوجد، و الغنىّ بما لديه يسعد، العالم عندنا معظّم
مكرّم، و التّقىّ لدينا موقّر مقدّم، لا يسدّ بمملكتنا باب، و لا يوجد عندنا سارق
و لا مرتاب، سماؤنا ممطرة، و أشجارنا لم تزل مثمرة، لا نعامل بالشهوات، و لا نجازى
بالهفوات، الطّير إلينا شاكى، و البعير أتانا متظلّم باكى عدلنا قد عمّ القاصى و
الدّانى، وجودنا قد عمّ الطائع و العاصى، عقولنا باهرة، و كنوزنا ظاهرة، و فروجنا
عفائف، و زبولنا نظائف، أفهامنا سليمة، و حلومنا جسيمة، كفوفنا سوافح، بحورنا
طوافح، نفوسنا أبيّة، و طوالعنا المعيّة، إن سئلنا أعطينا، و إن قدرنا عفونا، و إن
وعدنا أوفينا، و إن اغضبنا أغضينا فلمّا وصل الكتاب إلى قيصر قال: يحقّ لمن كان
هذه سياسته أن تدوم رياسته قال انوشيروان: حصن البلاد بالعدل فهو سور لا يغرقه ماء
و لا يحرقه نار و لا يهدمه منجنيق.
كان كسرى إذا
جلس فى مجلس حكمه أقام رجلين عن يمينه و شماله و كان يقول لهما: إذا زغت فحرّكونى
و نبّهونى، فقالا له يوما و الرّعيّة تسمع: أيّها الملك انتبه فانّك مخلوق لا خالق
و عبد لا مولى و ليس بينك و بين اللّه قرابة أنصف النّاس و انظر لنفسك و كان يقال:
صنفان متباغضان متنافيان السّلطان و الرّعيّة و هما مع ذلك متلازمان إن صلح أحدهما
صلح الاخر و ان فسد أحدهما فسد الاخر و كان يقال: محلّ الملك من الرّعيّة محلّ
الرّوح من الجسد و محلّ الرّعيّة منه محلّ الجسد من الرّوح، فالرّوح تألم بألم كلّ
عضو من البدن و ليس كلّ واحد من الأعضاء يألم بألم غيره، و فساد الرّوح فساد جميع
البدن، و قد يفسد بعض البدن و غيره من ساير البدن صحيح.
و كان يقال:
ظلم الرّعيّة استجلاب البليّة.
و كان يقال:
العجب ممّن استفسد رعيّته و هو يعلم أنّ عزّه بطاعتهم.
و كان يقال:
أيدى الرّعية تبع ألسنتها حتّى يملك جسومها، و لن يملك