و قال
(الحمد للّه الذى لم يصبح بي ميّتا) أى لم يدخلني في الصّباح و
الحال أنّي ميّت أو لم يصيّرني ميّتا.
فان قلت: كيف
يجتمع حمده 7 على عدم موته مع قوله الّذى ما زال 7 يقوله من
كونه آنس بالموت من الطّفل بثدى امّه، فانّ الأوّل مشعر بحبّه 7 للبقاء
و الثاني مفيد للّقاء.
قلت: لا
تنافي بين الكلامين لانتفاء المنافاة في المقامين.
فانّ الأوّل
أعنى الحمد على الحياة إنما هو في مقام الرّضاء بالقضاء و الشكر على النعماء، فانّ
وظيفة أهل اليقين لا سيّما أئمة الدّين الذين لا يشاءون إلّا أن يشاء اللّه هو أن
يرضى بجميع ما قدره اللّه في حقه و قضاه من الحياة و المماة و الصحة و السقم و
الغنى و الفقر، فقد قال تعالى في الحديث القدسي: من لم يرض بقضائى و لم يصبر على
بلائي و لم يشكر على نعمائي و لم يقنع بعطائى فيطلب ربا سوائي و يخرج من تحت أرضى
و سمائي، فهم ما لم يقدر في حقهم الموت لا بدّ أن يكونوا راضين بالحياة محبّين لها
شاكرين عليها لكونها المقدّرة في حقّهم، حتّى إذا بلغ الكتاب أجله و تمّ مقاديره
يكون الموت أحبّ إليهم و قرّة عينهم فيه.
و يشير إلى
ذلك ما رواه المحدّث الجزائرى عن الشهيد الثاني أنّ جابر بن عبد اللّه الأنصارى
ابتلى في آخره عمره بضعف الهرم و العجز فرآه محمّد بن عليّ الباقر عليه الصلاة و
السلام فسأله عن حاله فقال: أنا فى حالة أحبّ فيها الشيخوخة على الشباب و إن جعلني
اللّه شابا أحبّ الشبوبة و إن أمرضنى أحبّ المرض و إن شفاني أحبّ الشفاء و الصّحة
و إن أماتنى أحبّ الموت و إن أبقانى أحبّ البقاء، الحديث و أما الثاني و هو إظهار
فرط انسه بالموت فانما هو فى مقام الزهد و النفرة عن الدنيا و زخارفها و لذاتها و
شهواتها الفانية و امنياتها الباطلة.
و أيضا فانّ
الدّنيا من حيث انها معبد أحبّاء اللّه و مسجد أولياء اللّه و متجر عباد اللّه و
الوصلة إلى الرّحمة و الوسيلة إلى الرضوان و الجنة فحياتها مطلوبة و بقاؤها نعمة
عظيمة يجب الشكر عليها بل لا نعمة فوقها لكونها المحصّلة لجميع النعم.