البلاد من أقطارها، و اللّه انّى لا
آمنهما و هما عندى بالمدينة فكيف آمنهما و قد ولّيتهما العراقين اذهب إليهما فقل
أيّها الشيخان احذرا من اللّه و نبيّه 6 على امّته و
لا تبغى[1] المسلمين غايلة و كيدا و قد
سمعتما قول اللّه تعالى تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ
نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ
الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
فقام محمّد
بن طلحة فأتا إليهما و لم يعدا له و تأخّرا عنه أيّاما ثمّ جاءاه فاستأذنا في
الخروج إلى مكّة للعمرة فأذن لهما بعد أن أحلفهما أن لا ينقضا بيعته و لا يغدرا به
و لا يشقّا عصا المسلمين و لا يوقعا الفرقة بينهم و أن يعودا بعد العمرة إلى
بيوتهما بالمدينة، فحلفا على ذلك كلّه ثمّ خرجا ففعلا ما فعلا قال: و روى الطبرى
في التاريخ قال: لمّا بايع الناس عليّا و تمّ الأمر له قال طلحة للزّبير: ما أرى
أنّ لنا من هذا الأمر إلّا ككشحة أنف الكلب فقد ظهر لك من ذلك و يظهر أيضا ممّا
نرويه من الاسكافي أنّ علّة نقم طلحة و الزّبير منه 7 إنّما كانت ترك
استشارتهما و مداخلتهما في أمر الخلافة و عدم بذل مأمولهما فى تولية العراقين و التسوية
بينهما و بين غيرهما في القسم و لمّا نقما عليه بذلك أجاب لهما بقوله:
(لقد
نقمتما يسيرا و أرجأتما كثيرا) أى طعنتما و عتبتما عليّ شيئا يسيرا و هو ترك
الاستشارة و أمر التسوية حسبما عرفت مع عدم كونهما مورد طعن و عيب في الحقيقة و
أخرتما شيئا كثيرا من رعاية حقوقي الواجبة و السعي فيما يعود إلى صلاح حال
المسلمين و انتظام أمر الدّين و اتّساق حبل الالفة و الجماعة.
و قال
الشّارح المعتزلي: أى نقمتما من أحوالى اليسير، و تركتما الكثير الّذى ليس
لكما و لا لغيركما فيه طعن فلم تذكراه فهلا اغتفرتما اليسير الكثير.
و قال
الشّارح البحراني: يحتمل أن يريدان الّذي أبدياه و نقماه بعض ممّا في أنفسهما و قد
دلّ ذلك على أنّ في أنفسهما أشياء كثيرة وراء ما ذكراه.
أقول: يعنى
قد بدت البغضاء من أفواههم و ما تخفى صدورهم أكبر،
[1]- هكذا فى النسخة و الظاهر أنها تصحيف و الصحيح لا تبغيا
بصيغة التثنية، منه.