الفساد في الأرض، و أنّ الفتوح و الغنايم
قد أبطرت المسلمين، و متى بعد الرءوس و الكبراء منهم عن دار الهجرة و انفردوا
بأنفسهم و خالطهم الناس في البلاد البعيدة لم يؤمن أن يحسنوا لهم الوثوب و طلب
الامارة و مفارقة الجماعة و حلّ نظام الالفة و لكنّه نقض هذا الرّاى السّديد بما
فعله بعد طعن أبي لؤلؤة له من الشّورى فانّ ذلك كان سبب كلّ فتنة وقع و يقع إلى أن
تنقضى الدّنيا.
قال: و قد
قدّمنا ذكّر ذلك و شرحنا ما أدّى إليه أمر الشورى من الفساد بما حصل في نفس كلّ من
الستة من ترشيحه للخلافة إلى أن قال: إنّ طلحة و الزبير لما آيسا من جهة عليّ 7 و من حصول الدّنيا من قبله قلبا له ظهر المجنّ، فكاشفاه و عاتباه قبل
المفارقة عتابا لاذعا[1] قال: روى
أبو عثمان الجاحظ قال:
أرسل طلحة و
الزّبير إلى عليّ 7 قبل خروجهما إلى مكّة محمّد بن طلحة و قالا:
لا تقل له يا
أمير المؤمنين و لكن قل له: يا أبا الحسن لقد فال «أى اخطأ» فيك رأينا و خاب ظننا
أصلحنا لك الأمر و وطدنا لك الامرة و أجلبنا على عثمان حتّى قتل فلما طلبك الناس
لأمرهم أسرعنا إليك و بايعناك و قدنا إليك أعناق العرب و وطأ المهاجرون و الأنصار
أعقابنا في بيعتك حتّى إذا ملكت عنانك استبددت برأيك عنّا و رفضتنا رفض التّريكة[2] و أذلتنا إذالة الاماء[3] و ملكت أمرك الاشتر و حكيم بن جبلة
و غيرهما من الأعراب فلما جاء محمّد بن طلحة أبلغه ذاك فقال: اذهب إليهما فقل لهما
فما الذى يرضيكما؟
فذهب و جاء و
قال: إنّهما يقولان ولّ أحدنا البصرة و آخرنا الكوفة.
فقال: لا هاء
اللّه إذا يحلم[4] الأديم، و
يستشرى الفساد، و تنتقض عليّ