(ففيها اختبرتم و لغيرها خلقتم) يعني أنّه سبحانه خلقكم في الدّنيا لا لأجل الدّنيا و البقاء فيها و
الرّكون إليها، بل لأجل الاخرة و تحصيل النّعمة الدّائمة، و إنّما خلقكم في
الدّنيا لمحض الابتلاء و الامتحان كما قال تعالى:
و قد مضى
تحقيق معنى الابتلاء في شرح الخطبة الثّانية و السّتين، و بيّنا هناك أنّ اللّازم
على الانسان قصر همّته في محصّلات السّعادة الاخروية ليخلص من قالب الامتحان، و
ليستحقّ القرار في غرفات الجنان، و يدرك مرتبة الرّضوان الذي هو أعظم السّعادات و
أشرف اللذات و أكبر البهجات.
(انّ المرء
إذا هلك قال النّاس ما ترك و قالت الملائكة ما قدّم) و هو تأكيد لما سبق
فانّه 7 لمّا أمر بالأخذ من الممرّ للمقرّ و بالزّهد في الدّنيا و
الاعراض عن قنياتها و زخارفها، و نبّه على أنّ الغرض الأصلي من الخلقة هو العبادة
و الطاعة و تحصيل السّعادة الاخروية.
أكّده بأنّ
المرء إذا مات قال أبناء الدّنيا من عشاير الميّت و الأقرباء و الاخوان و
القرناء المصروف هممهم بها و المشغولين بها عن التّوجّه إلى الاخرى:
ما ترك، أى يسأل
بعضهم بعضا عمّا خلّفه الميّت من متاع الدّنيا و ما تركه من الأولاد و الأموال.
و قالت
الملائكة الّذين نظرهم إلى محصلات القرب و الزّلفى لديه تعالى فقط:
ما قدّم الميّت
لنفسه و ادّخره ليوم فاقته و مقام حاجته، فينبغي على ذلك ترجيح مسئول الملائكة على
مسئول النّاس، و تقديم محصّلات الزّلفي على قنيات الدّنيا قال الشّارح البحرانى: و
في لفظ ما ترك و ما قدّم لطف تنبيه على أنّ متاع الدّنيا مفارق متروك
و الأعمال الصّالحة مقدّمة باقية نافعة للمرء في معاده، فينبغي أن تكون العناية
بها دون المفارق المتروك.
(للّه
آبائكم) استعظمهم بنسبة آبائهم إلى اللّه حيث ولدوا مثل هؤلاء الأولاد
مقابلة و قوله: (فقدّموا بعضا يكن لكم و لا تخلّفوا كلّا فيكون عليكم) تفريع على