(و اخرجوا من الدّنيا قلوبكم من قبل أن
يخرج منها أبدانكم) و هو أمر بالزهد في الدّنيا و الاعراض
عنها و حذف محبّتها عن ساحة القلب و الاستعداد للموت قبل حلوله، لأنّ من كانت
الدّنيا همّته و أشرب محبّتها قلبه اشتدّت عند مفارقتها حسرته.
روى في
البحار من الأمالي قال: قيل لأمير المؤمنين 7 ما الاستعداد للموت؟ قال:
أداء الفرائض و اجتناب المحارم و الاشتمال على المكارم ثمّ لا يبالي أوقع على
الموت أم وقع الموت عليه، و اللّه ما يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت أم وقع
الموت عليه.
و فيه من
الخصال و معاني الأخبار بسنده عن عبد اللّه بن بكر المرادى عن موسى بن جعفر عن
أبيه عن جدّه عن عليّ بن الحسين : قال: بينا أمير المؤمنين 7 ذات يوم جالس مع أصحابه يعبيهم للحرب إذ أتاه شيخ عليه شجّة السّفر فقال:
أين أمير المؤمنين؟ فقيل: هو ذا، فسلّم ثمّ قال: يا أمير المؤمنين إنّي أتيتك من
ناحية الشّام و أنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا احصى، و أنّي أظنّك
ستقتال فعلّمني ممّا علّمك اللّه.
قال: نعم يا
شيخ من اعتدل يوماه فهو مغبون، و من كانت الدّنيا همّته اشتدّت حسرته عند فراقها،
و من كانت غده شرّ يوميه فهو محروم، و ساق الرّواية إلى أن قال:
فقال: يا شيخ
إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق خلقا ضيّق الدّنيا عليهم نظرا لهم فزهدهم فيها و في
حطامها، فرغبوا في دار السلام الذي دعاهم إليه و صبروا على ضيق المعيشة و صبروا
على المكروه و اشتاقوا إلى ما عند اللّه من الكرامة، و بذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان
اللّه و كانت خاتمة أعمالهم الشّهادة، فلقوا اللّه و هو عنهم راض و علموا أنّ
الموت سبيل من مضى و بقى فتزوّدوا لاخرتهم غير الذّهب و الفضّة و لبسوا الخشن و
صبروا على القوت، و قدّموا الفضل و أحبّوا في اللّه و أبغضوا في اللّه عزّ و جلّ
اولئك المصابيح و أهل النّعيم في الاخرة و السّلام.