قد ظهر لك في
شرح الخطبة المأة و الثامنة و الثمانين أنّ حقيقة المهاجرة هو الهجرة إلى حضور
الحجّة لمعرفته و العلم بوجوب اطاعته و امتثال أحكامه، و على هذا فمقصوده 7 بقوله: صرتم بعد الهجرة أعرابا، توبيخهم على أنّهم بعد ما كانوا
عارفين به و بمقامه 7 و وجوب طاعته و عالمين بأحكام الشرع و آدابه و
وظايف الاسلام كما هو شأن المهاجر، قد تركوا ذلك كلّه و صاروا مثل الأعراب الّذين
لا يعرفون إلّا ظاهر الاسلام كما قال عزّ و جلّ أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا
حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ أى أحرى بأن لا يعلموا حدود اللّه في الفرائض
و السنن و الحلال و الحرام.
يعني أنكم قد
صرتم بالعصبيّة و الاستكبار و العناد و إثارة الفتن بمنزلة الأعراب الجاهلين بما
لهم و ما عليهم بعد ما كنتم عارفين بذلك كلّه.
(و بعد الموالات
أحزابا) أى بعد الالفة و الاجتماع أحزابا متعادية متشتّتة
مختلفة الاراء، أى صرتم حزبا حزبا و طائفة طائفة كلّ منكم يخالف
آخرين، و كلّ حزب بما لديهم فرحون.
(ما
تتعلّقون من الاسلام إلّا باسمه و لا تعرفون من الايمان إلّا رسمه) لما جعلهم
أعرابا أحزابا اتبعه بهذه الجملة و لكمال الاتّصال بينهما وصلها بسابقته و ترك
العاطف.
و المراد
أنّهم لم يأخذوا من الاسلام و أحكامه شيئا إلّا اسمه فيسمّون باسم
المسلم، و لا يعرفون من الايمان إلّا صورته دون ماهيّته و حقيقته، و في بعض
النسخ لا تعقلون بدل لا تعرفون، و المقصود واحد.
(تقولون
النّار و لا العار) كلمة جارية مجرى المثل يقولها أهل الحميّة و الانفة من
تحمل الضيم و الذّل على نفسه أو من ينسب إليه من قومه و خاصّته استنهاضا و الهابا
بها إلى النضال و الجدال فاذا قيلت في حقّ كان ثوابا و إذا قيلت في باطل كان خطاء.
و لمّا كان
غرض المخاطبين منها هو الشرّ و الفساد و إثارة الفتنة المخالفة لوظايف الاسلام
شبّه حالهم في أعمالهم و أقوالهم بقوله: