فأنقذكم
اللّه منها بأن أرسل إليكم رسولا و هداكم للايمان و دعاكم إليه فنجوتم باجابته من
النار.
و انما قال:
فأنقذكم منها و إن لم يكونوا فيها، لأنهم كانوا بمنزلة من هو فيها حيث كانوا
مستحقّين لها.
و بما ذكرنا
كلّه علم أنّ هذه النعمة أعنى نعمة الالفة و المحابّة على الاسلام أعظم نعمة لا
يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة.
(لأنّها) موجبة
لسعادة النشأتين و عزّ الدّارين و للانقاذ من النار و الدّخول فى جنّات تجرى من
تحتها الأنهار و النزول فى منازل الأبرار و (أرجح من كلّ ثمن) كما يشير
اليه قوله تعالى لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ (و أجلّ من كلّ
خطر) و شرف و مزيّة لجمعها جميع أقسام الشرف، إذ بها يتمكّن من دركها و
تحصيلها و الوصول إليها.
(و اعلموا
أنكم صرتم بعد الهجرة أعرابا) قال الشارح المعتزلي: الأعراب على عهد رسول
اللّه 6 من آمن به من أهل البادية و لم يهاجر إليه، و
هم ناقصوا المرتبة عن المهاجرين لجفائهم و قسوتهم و توحّشهم و تشتّتهم في بعد من
مخالطة العلماء و سماع كلام الرسول 6، و فيهم انزل:
الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما
أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ و ليست هذه الاية عامّة في كلّ الأعراب بل
خاصّة ببعضهم، و هم الّذين كانوا حول المدينة و هم: جهنية، و أسلم، و أشجع، و
غفار، و اليهم أشار سبحانه بقوله وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ
مُنافِقُونَ و كيف يكون كلّ الأعراب مذموما و قد قال تعالى وَ مِنَ
الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما
يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ و صارت هذه الكلمة جارية مجرى المثل، انتهى و
قال الشهيد الثاني: المراد بالأعراب من أهل البادية و قد أظهر الشهادتين على وجه
حكم باسلامه ظاهرا و لا يعرف من معني الاسلام و مقاصده و أحكامه سوى الشهادتين آه.