الحبّ أخرجه إلى ظاهر الأرض و نشره، و
أكثر ما يفعل ذلك ليلا في ضوء القمر و يقال: إنّ حياته ليست من قبل ما يأكل و لا
قوامه، و ذلك إنه ليس له جوف ينفذ فيه الطعام و لكنه مقطوع نصفين، و إنّما قوته
إذا قطع الحبّ في استنشاق ريحه فقط و ذلك يكفيه.
أقول: و ظاهر
كلام أمير المؤمنين 7 في هذه الخطبة أعنى قوله 7 في مجاري
أكلها و من شراسيف بطنها يدلّ على فساد زعم هذا القائل، و التجربة أيضا تشهد
بخلافه، فانا قد شاهدنا كثيرا أنّ الذّر و هي صغار النمل تجتمع على حبوبات الطعام
و نحوها و يأكلها حتّى يفنيها بتمامها.
قال الدميرى:
و قد روى عن سفيان بن عيينة أنه قال: ليس شيء يخبا قوته إلّا الانسان و العقعق و
النمل و الفار، و به جزم في الاحياء في كتاب التوكل، و عن بعضهم أنّ البلبل يحتكر
الطعام و يقال: إنّ للعقعق محابي إلّا أنّه ينساها، و النمل شديد الشم، و من أسباب
هلاكه نبات أجنحته فاذا صار النمل كذلك أخصبت العصافير لأنّها تصيدها في حال
طيرانها، و قد أشار إلى ذلك أبو العتاهية بقوله:
فاذا استوت للنمل أجنحة
حتى تطير فقد دنا عطبه
و كان الرشيد
يتمثل بذلك كثيرا عند نكبة البرامكة.
و هو يحفر
قرية بقوائمه، و هي ستّ فاذا حفرها جعل فيها تعاويج «تعاريخ خ» لئلّا يجرى إليها
ماء المطر، و ربما اتخذ قرية فوق قرية لذلك و إنما يفعل ذلك خوفا على ما يدّخره من
البلل.
قال البيهقي
في الشعب: و كان عدى بن حاتم الطائي يفتّ الخبز للنمل و يقول: إنهنّ جارات و لهنّ
علينا حقّ الجوار.
و سيأتي في
الوحش عن الفتح بن خرشف الزاهد انّه كان يفتّ الخبز لهنّ في كلّ يوم فاذا كان يوم
عاشوراء لم تأكله.
و ليس في
الحيوان ما يحمل ضعف بدنه مرارا غيره على انّه لا يرضى بأضعاف الأضعاف حتّى أنّه
يتكلّف حمل نوى التمر و هو لا ينتفع به و إنما يحمله على حمله