لما كان هذه
الخطبة الشريفة متضمّنة بوصف خلقة أصناف من الحيوان و تشريح ما أبدعه اللّه سبحانه
فيها من دلائل القدرة و الحكمة و براهين التّوحيد و التفريد و العظمة، بعضها
بالتفصيل كالنملة و الجرادة، و بعضها بالاجمال و الاشارة كالغراب و العقاب و
الحمامة و النعامة أحببت أن أذكر فصلا وافيا في وصف هذه الأنواع الستّة من الحيوان
التي تضمّنها كلام أمير المؤمنين 7 على الترتيب الوارد في كلامه، و
المقصود بذكر هذا الفصل تأكيد الغرض المسوق له هذه الخطبة الشريفة و هي الدّلالة
على قدرة الصانع و حكمة المبدع عزّ و جلّ فأقول:
تذنيبات
الاول- فى
خلقة النملة
قال الدميرى
في كتاب حيوة الحيوان: النمل معروف الواحدة نملة و الجمع أنمال، و أرض نملة ذات
نمل، و النملة بالضمّ النميمة يقال رجل نمل أى نمام، و ما أحسن قول الأوّل:
اقنع بما تلقي بلا بلغة
فليس ينسى ربّنا النملة
إن أقبل الدّهر فقم قائما
و إن تولّى مدبرا نم له
قال: و سميت
النملة نملة لتنمّلها و هو كثرة حركتها و قلّة قوائمها، و النمل لا يتزاوج و لا
يتلاقح إنّما يسقط منه شيء حقير في الأرض فينمو حتى يصير بيظتا ثم يتكوّن منه، و
البيض كلّه بالضاد المعجمة إلّا بيض النمل فانّه بالظاء المشالة و النمل عظيم
الحيلة في طلب الرّزق فاذا وجد شيئا أنذر الباقين يأتون إليه، و قيل انما يفعل ذلك
منه رؤساؤها، و من طبعه أنّه يحتكر في أيّام الصيف للشتاء، و له في الاحتكار من
الحيل ما أنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسّمه نصفين ما خلا الكسفرة فانه يقسّمها
أرباعا لما ألهم من أنّ كلّ نصف منها ينبت، و إذا خاف العفن على