في أداء ما سيق الكلام لأجله، و أنها في
التحذير و التنفير عن الكبر و التهديد و التوعيد و الطرد و الابعاد للمستكبرين
كلام ليس فوقه كلام، بل إن أمعنت النظر فيها يظهر لك أنها تالى سورة البراءة، و ما
أشبهها بها.
فانّها كما
سيقت من أوّلها إلى آخرها لأجل تقريع الكفار و المنافقين و الكشف عن فضايحهم و
الافضاح عن مخازيهم و مقابحهم، و افتتحت باظهار البراءة منهم و لأجل ذلك لم تصدّر
بالبسملة، لأنّ بسم اللّه للأمان و الرّحمة، و هذه السورة نزلت لرفع الامان
بالسّيف، و فاتحتها تشهد بخاتمتها.
فكذلك هذه
الخطبة من بدئها إلى ختمها ترهيب و تهويل و تهديد و توعيد و تخويف و تزيد على ذلك
حسنا و رواء أن راعى فى مطلعها صناعة براعة الاستهلال فقال:
استعاره
مكنيّة- استعاره تخييلية- استعاره تبعية (الحمد للّه الّذى لبس العزّ و
الكبرياء) و هو من باب الاستعارة المكنيّة تشبيها للعزّ و الكبرياء باللّباس
فيكون ذكر اللّبس تخييلا، و الجامع أنّ اللباس كما يحيط بلابسه فكذلك العزّ و
الكبرياء لما كانا محيطين بذاته أى كان ذاته غير فاقد لهما، بل هما عين ذاته
لكونهما من صفات الذات فشبّها باللباس الّذى يتلبّس به لابسه.
و يجوز أن
يجعل من باب الاستعارة التبعية بأن يستعار اللّبس للاتّصاف، فيكون
نسبته إلى العزّ و الكبرياء قرينة للاستعارة، و الجامع أنّ اللباس كما
يكون مختصّا بلابسه و به يعرف و يتميّز، فكذلك هذان الوصفان لما كانا مخصوصين
بذاته سبحانه استعار لاتّصافه بهما لفظ اللّبس.
و معنى العزّ هو الملك و
القدرة و الغلبة و العزيز من أسمائه الحسنى قال الصّدوق:
هو المنيع
الّذى لا يغلب، و هو أيضا الّذى لا يعادله شيء و أنه لا مثل له و لا نظير و قد
يقال للملك كما قال اخوة يوسف: يا ايّها العزيز، أى يا أيّها الملك.
و قال
الطبرسى: العزيز القادر الذى لا يصحّ عليه القهر، و الكبرياء هو السلطان القاهر و
العظمة القاهرة و العلوّ و الرفعة، هذا.
و انما قلنا
إنّ العزّ و الكبرياء من صفات الذّات، لأنّ صفة الذات ما لا يصحّ