نقلوا في سبب
هذه الخطبة أنّ أهل الكوفة كانوا في آخر خلافته 7 قد فسدوا و كانوا
قبايل متعدّدة، فكان الرجل يخرج من منازل قبيلته فيمرّ بمنازل قبيلة اخرى فيصيبه
أدنى مكروه فينادى باسم قبيلته، مثلا يا للنخع يا لكندة نداء عاليا يقصد به الفتنة
و إثارة الشرّ، فيتألّب عليه فتيان القبيلة، فينادون يا لتميم و يا لربيعة، و
يقبلون إلى ذلك الصايح فيضربونه، فيمضى إلى قبيلته فيستصرخها فتثور الفتن و تسلّ
السيوف، و لا يكون لها أصل في الحقيقة إلّا تعرّض الفتيان بعضهم ببعض، و كثر ذلك
فخرج 7 على ناقته فخطبهم بهذه الخطبة كسرا لصولتهم.
الفايدة
الثالثة
قال السيد
; (و هى تتضمّن ذمّ إبليس على استكباره و تركه السجود لادم 7 و انّه أول من أظهر العصبية و تبع الحميّة و تحذير الناس من سلوك طريقته).
أقول: للّه
درّ السيّد فقد وقف على أنجد هذه الخطبة و لم يقف على أغوارها، و خاض في ضحا ضحها
و لم يلجج في غمارها، أو أن تقريره قصر عن التعبير بما انطوى عليه ضميره، فانّ
الغرض الأصلى لأمير المؤمنين 7 من هذه الخطبة هو تقريع المتكبّرين، و
توبيخ المتجبّرين، و تهديد المستكبرين، و زجرهم و إزعاجهم عن التجبّر و الاستكبار،
و ردعهم عن الاتصاف بهذه الصفة الخبيثة الخسيسة و الخصلة الرذيلة و لما كان اقتصاص
حال ابليس أبلغ في التأدية إلى هذا الغرض و آكد في مقام الرّد و الابعاد، و أشدّ
في التهديد و الايعاد، لا جرم صدّر الكلام باقتضاء الحال و المقام لشرح حال ابليس
اللّعين، و أطنب ببيان ما نزل به من النكال العظيم و العذاب الأليم.
و قد ذكرنا
في ديباجة الشرح أنّ اللّازم على الخطيب المصقع أن يراعى حسن الابتداء و يصدّر
كلامه بما يناسب الغرض المسوق لأجله الكلام.
اذا عرفت ذلك
ظهر لك إن كنت من الصناعة أنّ هذه الخطبة تقطر الفصاحة من أعطافها، و تؤخذ البلاغة
من ألفاظها، و إن تدبّرت عرفت فيها حسن كفايتها