ثمّ أشار إلى عموم منفعتها و عدم اختصاص
مطلوبيّتها بالمخاطبين فقال:
(لم تبرح عارضة
نفسها على الامم الماضين منكم و الغابرين) أى لم تزل تعرض نفسها
على اللّف و الخلف كالمرأة الصالحة الحسناء العارضة نفسها على الرجال
للتزويج و الاستمتاع و الانتفاع منها في محن الدّهر و نوائب الزّمان و كذلك هذه
عرضت نفسها على الامم لينتفعون بها في الدّنيا.
(و لحاجتهم
إليها غدا) أى في العقبى (إذا أعاد اللّه ما أبدا و أخذ ما أعطى و
سأل عمّا أسدى) يعني أنهم محتاجون إليها إذا أنشر اللّه الموتى و إذا أخذ من الناس ما
خوّلهم من متاع الدّنيا، و إذا سأل العباد عما أسدى و أحسن
إليهم من النعم و الالاء، أو إذا سأل عما أسداه و أهمله من الجوارح و الأعضاء.
و إنما كانوا
محتاجين إليها في تلك الأحوال لوقايتها لهم من أهوال ذلك اليوم و داهي هذه
الأحوال، فالمتقون بما لهم من التقوى من فزع النشر و المعاد آمنون، و إلى زادهم
حين أخذ ما أعطى مطمئنّون، و بصرف ما أسدى إليهم من
الأموال في مصارفه و ما أسداه من الأعضاء في مواقعها من مناقشة السؤال سالمون كما
قال عزّ من قائل فَمَنِ اتَّقى وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ
يَحْزَنُونَ و قال وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ
مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً وَ مَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً.
و أما غير
المتّقين فعند نشرهم يمسّهم العذاب بما كانوا يفسقون، و حين اخذ ما اعطى فانهم إذا
لخاسرون، و إذا سئل عما أسدى فيخاطبون بخطاب قفوهم انهم مسئولون، فاليوم
نختم على أفواههم و تكلّم أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون.
ثمّ تعجب من
قلّة الاخذين بالتقوى مع كونها محتاجا فقال:
(فما أقلّ
من قبلها و حملها حقّ حملها) أى شرايطها و وظايفها المقرّرة الموظفة (اولئك
الأقلّون و هم أهل صفة اللّه سبحانه) أى القابلون الحاملون لها الّذين وصفهم اللّه
تعالى في كتابه (إذ يقول) في حقّهم (و قليل من عبادى
الشكور) ربما فسّر الشكور