و قوله (و عدل في
كلّ ما قضى) يعني أنّ جميع مقتضياته و مقدّراته على حدّ الاعتدال و وجه الكمال
مصون من التفريط و الافراط، لجريانها جميعا على مقتضى الحكمة و النظام الأصلح، و
يحتمل أن يكون المراد بما قضاه ما حكم به، فالمعنى أنه سبحانه عادل في تكاليفه و
أحكامه الشرعيّة و ما يترتّب عليها من المثوبات و العقوبات، لأنّ الظلم قبيح محال
في حقه سبحانه و ما ربّك بظلّام للعبيد.
سجع- حسن
الاشتقاق (و علم ما يمضى و ما مضى) لا يخفى ما في هذه القرينة من حسن
الاشتقاق و تقديم يمضي على مضى لاقتضاء السجع و القافية مضافا إلى ما فيه من نكتة
لطيفة، و هو الاشارة إلى أنّ علمه بالمستقبل كعلمه بالماضي.
و بعبارة
اخرى علمه بالمستقبل و الماضي واحد بخلاف غيره فانّ علمهم بالماضى أسبق و أكمل من
علمهم بالمضارع، فاذا اريد وصف غيره بالعلم يقال: فلان علم ما كان و ما يكون أو
يقال: علم ما مضى و ما يأتي، فقدّم في وصفه سبحانه ما يأتي على ما سبق تنبيها على
أنّ علمه ليس كعلم المخلوقين، و المقصود به الاشارة إلى إحاطته سبحانه بجميع
الامور مستقبلها و ماضيها كلّيها و جزئيها، و قد مضى تحقيق ذلك في شرح الفصل
السابع من المختار الأوّل و غيره أيضا فليتذكر.
(مبتدع
الخلايق بعلمه) أى مبدعهم و مخترعهم بارادته التي هي العلم بالاصلح و النظام الخير
فيكون علمه سببا و علة لما ابتدع من مخلوقاته مقدّما عليه، و على هذا فالباء في
بعلمه سببيّة.
و المستفاد
من الشارح المعتزلي أنها باء المصاحبة حيث قال: قوله: مبتدع الخلايق
بعلمه، ليس يريد أنّ العلم علّة في الابداع كما يقال: هوى الحجر بثقله، بل
المراد أبدع الخلق و هو عالم كما تقول خرج زيد بسلاحه أى خرج متسلّحا.
و الظّاهر
أنّه وافق في ذلك المتكلمين حيث قالوا: إنّ العلم تابع للمعلوم و التابع يمتنع أن
يكون سببا، فالباء على رأيهم أيضا للاستصحاب، و الحقّ ما ذكرناه لما مرّ من أمير
المؤمنين 7 في المختار الأوّل من قوله: عالما بها قبل ابتدائها، فانه