و أمّا الطحال فانّه يحيل تلك الفضلة
إحالة يحصل بها فيه حموضة و قبض ثمّ يرسل منها في كلّ يوم شيئا إلى فم المعدة
فيحرّك الشهوة بحموضته و ينبّهها و يثيرها و يخرج الباقي مع الثفل.
و أمّا
الكلية فانّها تغتذي ممّا في تلك المائية من دم و ترسل الباقي إلى المثانة.
و لنقتصر على
هذا القدر من بيان نعم اللّه تعالى في الأسباب التي اعدّت للأكل، و قد مرّ في شرح
الفصل الخامس من فصول الخطبة الثانية و الثمانين بعض الكلام في تشريح جملة من
أعضاء الانسان و قد علم مما أوردناه هناك و ههنا أنّ اللّه سبحانه أسبغ علينا نعمه
ظاهرة و باطنة، و هذا الّذي أوردناه قطرة من بحار نعم اللّه بل جملة ما عرفناه و
عرفه الخلق من نعمه سبحانه بالاضافة إلى ما لم نعرفه و لم يعرفوه أقلّ من قطرة من
بحر إلّا أنّ من علم شيئا من ذلك عرف شمة من معاني قوله تعالى وَ إِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها و نسأل اللّه سبحانه التوفيق لشكر
نعمه، و الثّناء عليها.
و لما حمده
سبحانه على نعمه المترادفة و آلائه العظيمة
أردفه بالاشارة إلى أعظم نعمه سبحانه و هو نعمة
العفو فقال:
(الذي عظم
حلمه فعفى) و الحلم في الانسان فضيلة يعسر معها انفعال النفس عن المكروهات
المنافية للطبع، و أما في اللّه سبحانه فيعود إلى عدم تعجيله بالعقوبة و الحليم من
أسمائه الحسنى.
قال أحمد بن
فهد: الحليم هو ذو الصّفح و الاناة الذي لا يغيّره جهل جاهل و لا غضب مغضب و لا
عصيان عاص.
و لما وصف
حلمه تعالى بالعظمة فرّع عليه وصفه بالعفو، لأنّ عظم الحلم مستلزم للعفو و العفو
من الأسماء الحسنى أيضا.
قال ابن فهد:
هو المحّاء للذّنوب الموبقات و مبدلها بأضعافها من الحسنات، و العفو فعول من العفو
و هو الصّفح عن الذّنب و ترك مجازاة المسىء