صريح في أنّ علمه سبحانه بالأشياء مقدّم
على الأشياء و ليس تابعا لها، و شرحناه هنا بما لا مزيد عليه و قد تقدّم الكلام
مستوفي فى أنّ إبداع الأشياء إنما هو بالارادة و العلم فى شرح الفصل الثالث من
المختار التسعين، و لا حاجة هنا إلى الاطالة.
(و منشئهم
بحكمه) أى موجدهم بحكمه الالزامى التكوينى
الذي لا يمتنع منه شيء هو و حكم قدرته النافذ في الأشياء كلّها بالوجود و إنّما
أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
و يحتمل أن
يكون المراد بالحكم الحكمة يعنى أنّه أوجد المخلوقات على وفق الحكمة و المصلحة و
وضع كلّا منها موقعه اللّايق به، و لا أحكام و لا نظام فوق أن يكون الموجودات على
كثرتها و تفصيلها متفاوته متعاضدة منتفعة بعضها ببعض مؤدّية بعضها إلى بعض، و يكون
كثرتها ككثرة أعضاء شخص واحد و حركاتها المختلفة المتضادة كحركات صاحب الرقص
المنتظم حيث يكون مع اختلاف هياتها سرعة و بطؤا و تعويجا و تقويما كهيئة واحدة،
فأجزاؤها جميعا مشدودة في رباط واحد مع أنّ كلّا منها متوجّه نحو غاية مخصوصة
تترتّب عليه، و الكلّ من حيث هو كلّ له غاية واحدة و هو التوجّه إلى مبدعه و
منشئه.
و لما ذكر
ايجاده سبحانه للأشياء على نحو الابداع و الانشاء و الاختراع لا بعنوان الاستفادة
من الغير أكدّ ذلك إيضاحا بقوله.
(بلا
اقتداء و لا تعليم و لا احتذاء لمثال صانع حكيم) يعنى صنعه و ابداعه
ليس باقتداء صانع صنع قبله فاتبعه و لا بتعليم ذلك الصانع له
فيتعلمه لأنه سبحانه قبل القبل ليس شيء قبله حتّى يستفيد منه و يتبعه و يحتذى
حذوه، و قد مضى نظير هذه الفقرة فى الفصل الثاني من فصول المختار التسعين و ذكرنا
هنا ما ينفعك فى هذا المقام.
(و لا
اصابة خطاء) قال الشارح البحرانى أى لم يكن إنشاؤه للخلق أوّلا اتفاقا على سبيل
الاضرار و الخطاء من غير علم منه ثمّ علمه بعد ذلك فاستدرك فعله و أحكمه فأصاب وجه
المصلحة فيه، و الاضافة بمعنى اللّام لأنّ الاصابة من لواحق ذلك الخطاء، انتهى.