و جلالي لا اخرج عبدا من الدّنيا و أنا
اريد أن أرحمه حتّى استوفي منه كلّ خطيئة عملها إما بسقم في جسده، و إما بضيق في
رزقه، و إما بخوف، في دنياه، فان بقيت عليه بقية شددت عليه عند الموت.
و الأخبار في
هذا المعني كثيرة، هذا.
و لما
أوصاهم بالتقوى أردفه بالايصاء بذكر الموت الّذى هو هادم
اللّذات و قاطع الامنيّات فقال:
(و اوصيكم
بذكر الموت) أى بكثرة ذكره (و إقلال الغفلة عنه) و إنما أوصاهم به
لاستلزامه الاعراض عن الدّنيا و الرغبة إلى الاخرة، و الاقلاع عن الاثم و المعصية
و التقصير في الأمل و الجدّ في العمل.
و من هنا قال
بعض العلماء: حقّ العاقل أن يكثر ذكر الموت، فذكره لا يقرب أجله و يفيده ثلاثا:
القناعة بما رزق، و المبادرة بالتوبة، و النشاط في العبادة.
و قال آخر:
ذكر الموت يطرد فضول الأمل و يهون المصائب و يحول بين الانسان و الطغيان. و ما
ذكره أحد في ضيق إلّا وسّعه عليه، و لا في سعة إلّا ضيّقها عليه.
و كان عليّ
بن الحسين 8 من جملة دعائه إذا نعي إليه ميّت:
اللّهمّ صلّ
على محمّد و آل محمّد و اكفنا طول الأمل، و قصّره عنّا بصدق العمل، حتّى لا نؤمل
استتمام ساعة بعد ساعة، و لا استيفاء يوم بعد يوم، و لا اتّصال نفس بنفس و لا لحوق
قدم بقدم، و سلّمنا من غروره، و آمنّا من شروره، و انصب الموت بين أيدينا نصبا، و
لا تجعل ذكرنا له غبّا، و اجعل لنا من صالح الأعمال عملا نستبطئ معه المصير اليك،
و نحرص له على و شك اللحاق بك، حتّى يكون الموت مأنسنا الّذى نأنس به، و مألفنا
الّذي نشتاق إليه، و حامتنا الّتي نحبّ الدّنوّ منها.
فانّ قوله
7: تمثيل و انصب الموت بين أيدينا نصبا، أراد به أن يجعله على ذكر بحيث
لا يغيب عن الذّهن لحظة، و هو تمثيل بحال ما ينصب أمام الانسان فهو لا يغيب عن
نظره وقتا ما.
و قوله: و لا
تجعل ذكرنا له غبّا، أى وقتا دون وقت و يوما دون يوم، و الغبّ