قال المفضل: فقلت إنّ قوما من المعطلة
يزعمون أنّ اختلاف الألوان و الأشكال في الطير إنما يكون من قبيل امتزاج الأخلاط و
اختلاف مقاديرها بالمزج و الاهمال.
فقال 7: يا مفضّل هذا الوشى الّذي تراه في الطواويس و الدّراج و التدارج على
استواء و مقابلة كنحو ما يخطّ بالأقلام كيف يأتي به الامتزاج المهمل على شكل واحد
لا يختلف، لو كان بالاهمال لعدم الاستواء و لكان مختلفا.
تأمّل ريش
الطير كيف هو؟ فانّك تراه منسوجا كنسج الثّوب من سلوك دقاق قد ألّف بعضه إلى بعض
كتأليف الخيط إلى الخيط و الشّعرة إلى الشّعرة، ثمّ ترى ذلك النّسج إذا مددته
ينفتح قليلا و لا ينشق لتداخله الرّيح فيقلّ الطّائر إذا طار، و ترى في وسط
الرّيشة عمودا غليظا معيّنا قد نسج عليه الذي هو مثل الشّعر ليمسكه بصلابته، و هو
القصبة التي في وسط الرّيشة، و هو مع ذلك أجوف ليخف على الطّائر و لا يعوقه عن
الطيران.
هل رأيت يا
مفضّل هذا الطّاير الطّويل السّاقين و عرفت ما له من المنفعة في طول ساقيه؟ فانّه
أكثر ذلك في ضحضاح[1] من الماء،
فتراه لساقين طويلين كانه ربيئة[2] فوق يرقب و
هو يتأمّل ما يدبّ في الماء، فاذا رأى ممّا يتقوّت به خطا خطوات رقيقا حتّى
يتناوله، و لو كان قصير السّاقين و كان يخطو نحو الصّيد ليأخذه تصيب بطنه الماء
فيثور و يذعر منه فيتفرّق عنه، فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته و لا يفسد
عليه مطلبه.
تأمّل ضروب
التّدبير في خلق الطّاير فانّك تجد كلّ طاير طويل السّاقين طويل العنق، و ذلك
ليتمكّن من تناول طعمه من الأرض، و لو كان طويل السّاقين قصير العنق لما استطاع أن
يتناول شيئا من الأرض، و ربما اعين مع تطول العنق بطول المناقير ليزداد الأمر عليه
سهولة له و إمكانا، أفلا ترى أنّك لا تفتّش شيئا