قال فيمرّ المؤمن فلا يمرّ بشيء إلّا
أضاء له حتّى ينتهى إلى أزواجه، فيقلن و الّذي أباحنا الجنّة يا سيّدنا ما رأيناك
قط أحسن منك الساعة فيقول: إنّي قد نظرت بنور ربّي الحديث.
قال العلّامة
المجلسي (ره) قوله- تجلّى لهم الرّب- أى بأنوار جلاله و آثار رحمته و افضاله- فاذا
نظروا إليه- أى إلى ما ظهر لهم من ذلك و على المعنى الثاني فالمراد أنّ نور الجنّة
و أهلها ابتهاج اللّه سبحانه بها و بهم أما وصفه سبحانه بالابتهاج و البهجة فلما
قال الحكماء و المتكلّمون المثبتون له تعالى اللّذة العقليّة من أنّ أجل مبتهج هو
المبدأ الأوّل بذاته لأنّ الابتهاج و اللّذة عبارة عن إدراك الكمال فمن أدرك كمالا
في ذاته ابتهج به و التذّ، و كماله تعالى أجلّ الكمالات و إدراكه أقوى الادراكات
فوجب أن يكون لذّاته أقوى اللّذات.
قال صدر
المتألّهين: أجلّ مبتهج بذاته هو الحقّ الأوّل، لأنه أشدّ إدراكا لاعظم مدرك له
الشرف الأكمل و النور الأنور و الجلال الأرفع، و هو الخير المحض و بعده في
الخيريّة و الوجود و الادراك هو الجواهر العقليّة و الأرواح النوريّة و الملائكة
القدسيّة المبتهجون به تعالى، و بعد مرتبتهم مرتبة النفوس البشريّة و السعداء من
أصحاب اليمين على مراتب ايمانهم باللّه.
و أما
المقرّبون من النفوس البشريّة و هم أصحاب المعارج الروحانيّة فحالهم في الاخرة
كحال الملائكة المقرّبين في العشق و الابتهاج به تعالى.
إذا عرفت ذلك
ظهر لك أنّ ابتهاج اللّه بمخلوقاته راجع إلى ابتهاجه بذاته، لأنه لما ثبت أنه أشدّ
مبتهج بذاته لما له من الشرف و الكمال كان ذاته أحبّ الأشياء إليه، و كلّ من أحبّ
شيئا أحبّ جميع أفعاله و آثاره لاجل ذلك المحبوب، و كلّ ما هو أقرب إليه فهو أحبّ
اليه و ابتهاجه به أكمل.
فثبت بذلك
أنّ اللّه سبحانه مبتهج بالجنّة و أهلها لأنها دار كرامته و رحمته و أقرب
المجعولات إليه، و كذلك أهلها لأنهم مقرّبو حضرته و محبوبون إليه و مكرّمون لديه
كما أنهم مبتهجون به سبحانه و محبّون إيّاه.