لأنّ النفس بالطبع تنفرّ عن العبوديّة و
تشتهى الرّبوبيّة، و لذلك قال بعض العارفين ما من نفس إلّا و هى مضمرة ما أظهره
فرعون من قوله أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى و لكن فرعون وجد له مجالا و قبولا من قومه، فأظهره و أطاعوه و ما من
أحد إلّا و يدعى ذلك مع عبده و خادمه و أتباعه و كلّ من هو تحت قهره و طاعته و إن
كان ممتنعا من إظهاره.
ثمّ نفرة
النّفس عن العبادة إمّا بسبب الكسل كالصّلاة و إمّا بسبب البخل كالزكاة أو بسببهما
كالحجّ و الجهاد و العبد محتاج إلى الصّبر في جميعها.
الضرب الثاني
المعاصي و تركها و الكفّ عنها أصعب عن النفس لرغبتها بالطبع إليها فيحتاج إلى
الصبر عنها و أشدّ أنواع الصبر عن المعاصي الصبر على المعاصي المألوفة المعتادة
كحصائد الألسنة من الكذب و الغيبة و البهتان و نحوها فمن لم يتمكن من الصّبر عنها
فيجب عليه العزلة و الانفراد لأنّ الصّبر على الانفراد أهون من الصّبر على السكوت
مع المخالطة، و تختلف شدّة الصّبر في آحاد المعاصي باختلاف دواعي المعصية قوّة و
ضعفا.
و أما القسم
الثاني و هو ما لا يرتبط باختيار العبد أصلا فكالمصائب و البلايا و الالام و
الأسقام من فقد الأحبّة و موت الأعزّة و ذهاب المال و تبدّل الصحّة بالمرض و الغنى
بالفقر، و البصر بالعمى، و غيرها و الصّبر على هذه هو الذي بشّر الموصوفون به في
الاية الكريمة بقوله سبحانه: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ
الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ
وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا
لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و أوحى سبحانه إلى داود 7
يا داود: تريد و اريد و إنّما يكون ما اريد فان سلّمت لما اريد كفيتك ما تريد و إن
لم تسلم لما اريد أتعبتك فيما تريد ثمّ لا يكون إلّا ما اريد.
و أما القسم
الثالث و هو ما لا يرتبط هجومه باختياره و له اختيار في دفعه كما لو اوذى بفعل أو
قول و جنى عليه في نفسه أو ماله أو نحو ذلك فالصّبر على ذلك بترك المكافاة، و
الانتقام تارة يكون واجبا و تارة يكون مندوبا قال تعالى: