روى عن النبيّ 6
مرفوعا الايمان نصفان: نصف صبر، و نصف شكر.
ثم ان الصبر
تختلف أساميه باختلاف موارده و بالاضافة إلى ما يصبر عنه من مشتهيات الطبع و
مقتضيات الهوى، و ما يصبر عليه مما ينفرّ عنه الطبع من المكاره و الاذي.
فان كان صبرا
عن شهوة الفرج و البطن، سمّي عفة، و إن كان في مصيبة اقتصر على اسم الصّبر و
تضادّه حالة تسمى الجزع، و إن كان في احتمال الغنى سمّى ضبط النفس و يضادّه البطر،
و إن كان في حرب و مقاتلة سمّى شجاعة و يضادّه الجبن و إن كان في كظم الغيظ و
الغضب سمّى حلما و يضادّه التذمّر و السفه و إن كان في نائبة من نوائب الزّمان
سمّى سعة الصّدر و يضادّه الضجر و ضيق الصّدر، و إن كان في إخفاء كلام سمّى كتمان
السرّ و إن كان عن فضول العيش سمّى زهدا، و يضادّه الحرص و إن كان على قدر يسير من
الحظوظ سمّى قناعة و يضادّه الشّره.
و بالجملة
فأكثر مكارم الايمان داخل في الصّبر و لأجل ذلك لمّا سئل النبيّ 6 مرّة عن الايمان فقال: هو الصّبر لأنه اكثر أعماله و أعزّها هذا.
و أما أقسامه
فقد فصّلها أبو حامد الغزالي في كتاب احياء العلوم و ملخّصها أنّ جميع ما يلقى
العبد في هذه الحياة لا يخلو من نوعين أحدهما هو الّذي يوافق هواه و الاخر هو
الّذي يخالفه، و هو محتاج إلى الصبر في كلّ منهما فهو إذا لا يستغنى قطّ عن
الصّبر.
النوع الاول
ما يوافق الهوى و هو الصّحة و السلامة و المال و الجاه و كثرة العشيرة و اتساع الاسباب
و كثرة الأتباع و الأنصار و جميع ملاذّ الدّنيا و ما أحوج العبد إلى الصبر على هذه
الامور فانه إن لم يضبط نفسه عن الرّكون إليها و الانهماك في ملاذّها المباحة
أخرجه ذلك إلى البطر و الطغيان، فانّ الانسان ليطغى أن رآه استغنى.
النوع الثاني
ما لا يوافق الهوى و هو على ثلاثة أقسام لأنه إمّا أن يرتبط باختيار العبد
كالطاعات و المعاصي، و إمّا أن لا يرتبط باختياره كالالام و المصائب و إمّا أن لا
يرتبط باختياره و لكن له اختيار في إزالته كالتشفّى من المؤذي بالانتقام منه.
أما القسم
الاول و هو ما يرتبط باختيار العبد فعلى ضربين.
الضرب الأول
الطاعات و العبد يحتاج إلى الصبر عليها، و التحمّل عن مشاقّها