فقال: اصبر فانّ اللّه سيجعل لك فرجا
قال: ثمّ سكت ساعة ثمّ أقبل على الرجل فقال: أخبرني عن سجن الكوفة كيف هو؟ فقال:
أصلحك اللّه ضيّق منتن و أهله بأسوء حال، قال 7: فانّما أنت في السجن
فتريد أن تكون فيه في سعة أما علمت أنّ الدّنيا سجن المؤمن، إلى غير هذه ممّا لا
نطيل بذكرها.
فان قلت: ما
معنى قوله في الحديث الأوّل الصّبر من الايمان بمنزلة الرّأس من الجسد؟
قلت: لما كان
قوام الجسد و تمامه و كماله إنّما هو بالرأس و به يتمّ تصرّفاته و يتمكّن من
الاثار المترتّبة عليه لا جرم شبّه 7 الصّبر بالرّأس و
الايمان بالجسد لأنّ كمال الايمان و تمامه إنما هو به، أمّا على القول بأنّ الايمان
عبارة عن مجموع العقائد الحقّة و الأعمال فواضح، و أمّا على القول بأنّ العمل ليس
جزء منه بل هو شرط الكمال فلأنّ الجسد إنّما يكمل بالرأس كما أنه يوجد بوجوه، فوجه
الشّبه هو وصف الكمال فقط و لا يجب في تشبيه شيء بشيء وجود جميع أوصاف المشبّه
به في المشبّه.
و لكنّ
الظاهر من قوله: كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الايمان هو كون العمل هو جزء من الايمان
المستلزم ذهابه لذهابه الّا أن يراد منه الايمان بالكمال و قد تقدّم تحقيق الكلام
فيه فيما سبق.
و مما ذكرنا
أيضا ظهر وجه ما روى عن النبيّ 6 من أنّ الصبر نصف الايمان و
ذلك لأنّ الايمان إذا كان عبارة عن مجموع المعارف اليقينيّة الحقّة و عن العمل
بمقتضى تلك المعارف، فيكون حينئذ مركبا منهما، و معلوم أنّ العمل أعنى المواظبة
على الطاعات و الكفّ عن المعاصي لا يحصل إلّا بالصبر على مشاقّ الطاعة لليقين
بكونها نافعة، و ترك لذائذ المعصية لليقين بكونها ضارّة فعلى هذا الاعتبار يصحّ
كونه نصف الايمان.
و ذكر
الغزالي له وجها آخر محصّله أن يجعل المراد من الايمان الأحوال المشمئزة للأعمال و
جميع ما يلاقي العبد ينقسم إلى ما ينفعه في الدّنيا و الاخرة أو يضرّه فيهما، و له
بالاضافة إلى ما يضرّه حال الصبر، و بالاضافة إلى ما ينفعه حال الشكر، فيكون الصبر
أحد شطرى الايمان كما أنّ الشكر شطره الاخر و لذلك