و إنّما
الدّنيا منتهى بصر الأعمى لا يبصر ممّا ورائها شيئا، و البصير ينفذها بصره و يعلم
أنّ الدّار ورائها، فالبصير منها شاخص، و الأعمى إليها شاخص، و البصير منها
متزوّد، و الأعمى لها متزوّد.
فقد استعار
لفظ البصير للعاقل، و الأعمى للجاهل، و اجتماع البصر و العقل كالعمى و الجهل ممكن
و الجامع واضح، و إن لم يمكن اجتماعهما تسمّى عناديّة لتعاند الطرفين، و ذلك
كاستعارة الموجود للمعدوم، إذا فقد الموجود و بقيت آثاره الجميلة التي تحيي ذكره،
و تديم في النّاس اسمه، و كاستعارة المعدوم للموجود لعدم غنائه و انتفاء منفعته، و
منه استعارة اسم الميّت للحيّ الجاهل كما في قوله 7 فى المخ فو (86):
فذلك ميّت الأحياء فان الموت و الحياة ممّا لا يمكن اجتماعهما في شيء هذا.
و من
العناديّة التهكميّة و التّمليحيّة، و هما ما استعمل في ضدّه أو نقيضه تنزيلا
للتّضاد و التناقض منزلة التّناسب بواسطة تهكم أو تمليح على ما مرّ في باب
التّشبيه نحو قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ^. أى أنذرهم.
استعيرت
البشارة التي هي الاخبار بما يسرّ للانذار الذي هو ضدّه بإدخاله في جنسها على سبيل
التّهكم، و كذلك قولك: رأيت أسدا و أنت تريد جبانا على سبيل التمليح و الظرافة و
الاستهزاء.
التقسيم
الرابع
أن الجامع
بين طرفيها إمّا داخل في مفهومهما مثل قول النبي 6