و في اليوم الخامس عشر من تشرين الأوّل من السنة، بعد أن تغدّيت في دار الحاكم المتحبب، ركبت السفينة و رفع الملاحون الأنجر و غادرنا هذا البلد الجميل. و في اليوم العشرين مررنا على مسافة ميلين من جزيرة «الأسنسيون» و هذه الجزيرة كجزيرة «سنت هيلين»: صخرة عظيمة قائمة في البحر المحيط تحت الدرجة الثامنة من درجات العرض الجنوبية، و إذ لم يكن فيها ماء عذب لا تني السفن عندها إلّا لأخذ السلاحف، فإنّها كثيرة فيها، و هذه الحيوانات تأتي ليلا فتبيض على الساحل، و الّذين يصطادونها يقلبونها ظهرا لبطن ثمّ ينقلونها متى شاؤوا.
و باليوم الخامس و العشرين اجتزنا خط الاستواء إلّا أنّ الوقت كان باردا خلافا للعادة، و قد أخذنا سمكا كثيرا و رأينا أسرابا من الطير تشبه الخطاف، تتبع السفينة، و هذه الطير- كما يقال- لا تستقر أبدا على الساحل، و تصنع أعشاشها من الأعشاب البحرية و زبد البحر، و تطفو الأعشاش فوق الماء، و تضع فيها بيضها و لكن هذا الخبر يبدو ضعيف الاحتمال فلا يتهيأ قبول تصديقه، على أنّ الضابط «كلارك» قصّ عليّ قصة أكثر مخالفة للعادة أيضا، قال: إنّه أبرّ ذات يوم في ساحل أفريقية مع قاربين ليتزود ماء، و في الوقت نفسه خرج من وسط الموج فجأة مائتان أو ثلاثمائة حيوان الواحد منها أكبر من الحمار و تعرف باسم «خيل البحر» و لكنّها من غير شك عجول البحر و تقدّمت إلى مسافة أكثر من ميل في الساحل تاركة في الرمل آثار قوائمها، و لما عادت أطلق عليها الضابط إطلاقة من بندقيته و قتل واحدا منها، فعقبته الأخرى في الحال لتثأر بصاحبها، و لم ينج هو و بحارته إلّا باختفائهم بين الصخور، و وثب عدّة ملاحين إلى أحد القاربين و قدر على أن يصل إلى السفينة و لكن الحيوانات المذكورة و هي هائجة حطمت القارب تحطيما في عدّة قطع.
و باليوم السادس و العشرين ظهرا، تبينا على بعد سفينة، حسبها الربان فرنسية فأعد كل شيء للهجوم و كنّا يومئذ بين أوروبا و أمريكا، و إذ كان أكثر الملوك في حرب بعضهم على بعض كانت هذه النواحي من البحر المحيط