باستعمالهم مناظيرهم [1]، من غير أن يستطيعوا تحديدها، و إذ ذاك أصدروا أمرا بإدارة السفينة و إنحائها نحو الأرض، و في آخر عدّة ساعات تعرفوا جبل المائدة و «بن دوسكر أي خبزة السكّر [2]» و في الحال استثاب البحريون شجاعتهم و بذلوا جميع مجهودهم لبلوغ الأرض المرادة.
و باليوم الحادي و العشرين من حزيران وجدنا أنفسنا بإزاء «بي دي لاتابل» و لتغير مجرى الريح كان يجب أن نتجه وجهة «فالس بي» لأنّه بعد زمن معين لا يجوز دخول كل سفينة في خليج «بي دي لاتابل» لأنّ الريح الّتي تهب من الجنوب الغربي، تجعل دخوله خطرا في برهة أربعة أشهر من السنة، فلذلك كان للحاكم أمر عمد واضح بأن يمنع كل سفينة من الولوج في الميناء و أجيز له إطلاق الرصاص على الّذين يأبون الإذعان لإشارة المنع المعلومة.
و باليوم الثالث و العشرين من تموز [3] تلك السنة دخلنا مساء بعد عسر ما في «فالس بي»، و لكن اللّيل الّذي أطل علينا سريعا أجبرنا على أن نلقي مرساة السفينة، لئلا يصدم السفينة صخر جرف البحر، و في صباح الغد استأنفنا السير، و بالظهيرة أرسينا السفينة بإزاء المدينة. و هذه المدينة في واد خصيب و في وسط مرج من الأزهار و الأعشاب الذكية الروائح، و مساكنها لا تتجاوز ثلاثين مسكنا، و لكنّها منظمة و محكمة البناء و في كل منها عين ماء. و هذا الموضع جدّ ملائم للتبرد في أوقات الرياح اللافحة الحر من الجنوب الغربي، و قد وجدنا هناك سبع عشرة سفينة منهما سفينتان حربيتان لحماية الميناء من هجوم الفرنسيين، و لقد مضى زمن طويل لم أر فيه سكانا من البشر، و لقد خلبني جمال هذه المدينة و مينائها، و شعرت في إبراري فيها بشعور جديد و إحساس مزيد.
و سرعان ما علمت أنّ الركاب جميعهم تألموا من سوء سيرة الربان «نيتلمان» و أنّهم عزموا على أن لا يرجعوا إلى السفينة، بل يذهبوا إلى مدينة الكاب و ينتظروا