يطاق شمها، و قد اعتاد الملاحون العادة الحمقاء من نومهم على ظهر السفينة وسط الماء الّذي غمره، يضاف إلى ذلك أنّ ضباط السفينة جهلاء و الملاحين غير مدربين و لا مهذبين.
إنّ صديقي «أوكست بروك» من كلكتا كان محقا في تكراره عليّ قوله:
«لا تبحر أبدا إلّا في سفينة إنكليزية [1]» و لما رأى أنّي عزمت، بخلاف نصيحته، على السفر في سفينة دانيّة «دانيماركية» بعث إليّ عند ركوبها كمية كبيرة من الفواكه اليابسة و المربيات و البسكويت، و استأخذني [2] في الوقت نفسه ملابس مدفئة، و كنت جد سعيد، أن اتخذ، بلطف منه، تلك الاحتياطات، و لو لا ذلك لهلكت حقا من البرد و الجوع.
تيهان في البحر
و باليوم الثالث عشر من حزيران من السنة المذكورة تراخت الريح، إلّا أنّ ذلك لم يكن قط باعثا على راحتنا فمنذ عدّة أيّام لم نر الشّمس، و لم يكن عندنا تقاويم يومية و الضباط لم تكن لهم تجارب في الملاحة، و فقدنا كل اعتبار، و لم يستطع أحد أن يقول: في أي قاموس من البحر نحن كائنون؟ و لا كيف ينبغي أن تكون السيطرة على السفينة؟ و من زيادة التعس أنّه قد ظهر أنّ الماء العذب المخزون لا يكفينا حاجتنا إلّا أيّاما قليلة، فنحن قد صرنا إذن إلى أشد ضيقة و كدنا نهلك لو لا رحمة اللّه تعالى و رأفته. و كان الضباط كلهم يحسبون أنّنا بعيدون تماما في غرب الكاب و أنّنا على التقريب في منتصف الطريق إلى جزيرة «سنت هيلين» و إذا نحن بمدير المعيشة في السفينة، (و كان ذا عينين حادتي البصر، و رحل عدّة رحلات إلى الهند) قد نزل إلى كوثل [3] السفينة، ليتحقق كمية الطيور الدواجن الباقية، و رمى ببصره إلى ما وراء السفينة، فصرخ قائلا: «ها هي ذي الأرض قد تركتموها وراءكم»، و لسماع هذه الكلمات انشمر عدّة ضباط إلى الصاري الأعظم، فلمحوا الأرض في الحقيقة،