الوضوء باعتباره طاعة لأمر شرعي، و قبح أكل لحم الأرنب بوصفه معصية لنهي شرعي. و الآخر الحسن و القبح الواقعان بصورة منفصلة عن الحكم الشرعي، كحسن الصدق و الأمانة، و قبح الكذب و الخيانة، ففي النوع الأول يستحيل أن يكون الحسن و القبح مستلزما للحكم الشرعي، و إلّا للزم التسلسل، لأن حسن الطاعة و قبح المعصية إذا استتبعا أمرا و نهيا شرعيين، كانت طاعة ذلك الأمر حسنة عقلا، و معصية هذا النهي قبيحة عقلا أيضا، و هذا الحسن و القبح يستلزم بدوره أمرا و نهيا، و هكذا حتى يتسلسل. و أما في النوع الثاني، فالاستلزام ثابت (1) و ليس فيه محذور التسلسل.

(1) لأنّ المولى تعالى عاقل بل رئيس العقلاء، و ما يحكم به العقل السليم يحكم به اللّه تعالى بلا شك، و لذلك لو سألت الباري تعالى عن حكم العدل و الظلم لقال العدل حسن و واجب و الظلم قبيح و حرام. و الأحكام الشرعية اعتبارات ارتكازية و ما هذه الأحكام النازلة إلى الناس إلّا كاشفة عنها، و يجب امتثال الاعتبارات الإلهية عقلا حفاظا على ملاكاتها، و لذلك يجب العدل عقلا و لو لم يأمرنا اللّه تعالى بذلك ظاهرا لأنه في الواقع من الأحكام الإلهية.